(هلق تا فقتي) جديد النجم وائل كفوري وأكثر من "غلطة"!

وإن كنتُ عارفة أن نقد أغنية النجم وائل كفوري سيسبب لي سيلاً من الهجمات الدفاعية من معجبيه، والتي تصبّ عليّ وإن كنتُ أمدحه أحياناً، إلا أني اعتدت الأمر، لأن معظم الناس يقرأون العناوين فقط، وما تبقى منهم يقرأون ولا يفهمون ما يقرأون، ولأن الحق حق، ولأن الساكت عنه شيطان أخرس، ومشجع على الغلط، سأقول ما يمليه عليّ الحق، ولو تبجح البعض وانتقدوا التأخير في النشر، فنحن لن نتوانى عن النقد وإن جاء متأخراً ليتلاقى مع موعد انطلاق الموقع الأول للنخبة، Awwalkhabar.com.

أول الأمر: لم أكن أعلم أن (لو حبنا غلطة) كانت الحبيبة تقولها لحبيبها، بل على العكس، كان وائل كفوري يناجي حبيبته بأن الحب يوماً لم يكن خطيئة، اللهم إن لم يقترن بالخطيئة الكبرى بين رجل وامرأة، وهي الزنى.

ثانياً: يقول الشاعر:
"هلق تا فقتي تقوليلي بآخر هالقصة
لوين واصلين إنتِ اللي كنتِ تغنيلي
لو حبنا غلطة تركنا غلطانين"
إن كان عارفاً بأنها آخر هذه القصة فلماذا يعاتبها على قرار فراقها له؟ إذ يعني ذلك بأنه من جانبه أيضاً لم يعد يريدها، بل ويستمهلها لقضاء أمر ما، وحده الشاعر يعرف ما هو!

وثالثاً: "إذا كنتِ أخدتِ قرار تنسي البيني وبينك صار وعبكرة ترجعي"
فأين رد وائل هنا؟ وماذا سيفعل إن أخذت حبيبته قراراً بالبعد عنه اليوم وغداً تعود؟
إذ يعيد المذهب فقط "هلق تا فقتي" ولا يكمل الرد، "شو حزورة يا شاعرنا الكريم؟ شو رح يقول وائل لحبيبتو؟ روحي ما بدي شوفك؟ أو اشتقتلك ما بقا تعملي هيك؟ ولو"!

رابعاً: النص الوحيد الأكثر تناسقاً في القصيدة هو الذي يقول فيه:
"إذا كنتِ نويتي تنسيني ومقتنعة هالقد
لا تشتاقي ولا تحاكيني من بكرة عنجد
إذا فكرك أنا مرتاح بعلاقتنا ومبسوط
أنا كل يوم بلم جراح ومية موتة بموت
كل ما بفكر إنك إلو إنتِ وموجودة معي"
لن أتغاضى عن فكرة حب غير مريح، والذي يقتله يومياً مئة مرة، لكن سأبدأ بـِ: رغم ترابط أفكار هذه الفقرة أو ما يُسمى بالمقطع الغنائي، إلا أني هنا علمت أن الحب هذا هو علاقة رجل بامرأة متزوجة تخون زوجها، ويا فرحة ما اكتملت.
لكن بالعودة لفكرة حب "مش مرتاح فيه ومش مبسوط يا شاعرنا شو بدك فيه"؟
ولماذا يقبل الكفوري أن يغني هذا الكلام؟

لقد تغيرت (لو حبنا غلطة) من غلطة إلى خطيئة، كما تغير المعنى جذرياً لتصبح الحبيبة - الخائنة لزوجها - هي التي تناجي الكفوري بأن يكون حبيبها في الخطيئة، والتي تتغير بعدها ليبدو أن ضمير هذه السيدة صحا فجأة وتريد التوقف عن خيانة زوجها.
المشكلة هنا أن الكفوري يحب تلك السيدة ويجاريها في خيانة زوجها، وأنه يتألم كلما كانت معه ويتذكر أنها في المرة المقبلة ستكون بين يدي زوجها.
لم نعهد الكفوري ممن يشجعون على الخطيئة في الحب، متضمنة أقسى درجاتها، وبيت القصيدِ الأساس في تلك القصيدة - إن صحّت تسميتها كذلك احتراماً للشاعر- هو الخطيئة، لذا لن تمر مرور الكرام لديَّ أن الكفوري والشاعر يوصلان رسالة ما، لأن الرسائل الفنية تكون عادة إنسانية وليس العكس، وإلا لما استمعنا إلى الكفوري، بل لذهبنا لسماع حثالة البشر المعتدين على الشِّعر واللحن والصوت وألق النجم.

عاشقة للكفوري من الجنون حتى الجنون..

قالت صبية قريبتي وهي من عشاق الكفوري ضمن مدى أعتبر حدوده من الجنون إلى الجنون، بأنه بدأ الأغنية بموال: وأتساءل أين الموال؟ إن كان الظن أن أول نفحة من صدى صوت الكفوري هي موّال، فظنهم في غير محله.
فهذا الوائل هو نفسه من غنى قصيدة كاملة على صورة موال، وإن نسيتم أذكركم بـِ (عم إكذب عليكي) ولا أخفيكم هنا أن البدء بجملتين مع نغمات بطيئة لا تعني موال، إذ إن الموال له أصوله وهو يعرّف عن القصة قبيل البدء بها.

أما الـMix في اللحن والذي تحدثت عنه قريبتي فلم أجده، ربما لجهلي بالموسيقى حيث لم أسمع سوى حبكة درامية لدمج اللحن القديم بنفسه من جديد مع بعض الزيادات.

فتشت عن التوزيع الموسيقي في الأغنية، فوجدتُ نفسي أسمع (عم فتش عا شقفة كون) حيث كل آلة موسيقية تلعب دورها وتتموضع مكانها للذهاب إلى أذن المستمع، وتأخذ حقها بالظهور كصولو رغم الأداء الجماعي، وحتى الطبلة، آلة الإيقاع، أدّت دورها ببراعة ظاهرة ولم يغفل السامع عنها رغم تمايل زميلاتها من الآلات.

أما جمال الجملة التالية (مية موتة بموت) والتي يتغنى بها البعض، "الله يعطي الكفوري طول العمر والصحة" إلا أنه لم يعطها حقها من الشجن الذي يحويه في حنايا صوته ولو كان زاد القليل فقط لتغير الأمر.
فوائل كفوري هو نفسه من يرنّح الكلمة على اللحن ويطوعها له، كما يطوّع صوته للحن مهما كان صعباً، وإياكم ونسيان صعوبة بعض الجمل الكلامية في (بدي ياك) والتي رغم ذلك لم تخل من كم هائل من الشجن والحنين.
وحتى في الجمل اللحنية القصيرة، لطالما أعطى لكل نغمة حقها مثال (شو بحبك لما بتحكي) لكنه بَخُلَ هذه المرة علينا فما السبب؟

أما الطبقات العالية التي بدأ بها الأغنية، فلم تصعب عليه يوماً، وهو الذي قال: (كوني أنا) مع كل ما فيها من حرفية وشوق.
فمساحات صوته شاسعة، وقدراته في التنقل على درجات أوكتافات السلم الموسيقي ليست عادية، والتنويع في استخدام المقامات الشرقية لطالما غلبها.

فالكفوري خارج حدود المقارنة وهذا لا جدال فيه.

وكلما غاب يحن إليه كل وتر ونغمة وكلمة حب وشوق للحبيبة والأم والوطن.

ولا ننس البيانو والناي والكمان، كل واحدة من تلك الآلات تنتظر لتصغي إلى صوته وترافقه بمحبة لا توصف،

فهو (ملك الغرام) دون شك، لكن ليس غرام الخطيئة،

وهو الإمبراطور المتربع على عرش قلوب الملايين من عشاقه، من يعترف منهم بذلك ومن لا يعترف،

وأعرف أنه الحاكم بأمر عقولهم،

وأن أي همسة ونظرة وحركة يقوم بها، هي أحلى من العسل وأطيب من أطيب عبق بالنسبة لهم،

ولكن.. هذا لا يمنع أن أقول كلمتي،
ليس لأني ابنة موسيقي أستاذ، ولا لأني تلميذة موسيقى من زمن العمالقة أمثال وديع الصافي، صباح، نصري شمس الدين، فايزة أحمد، فريد الأطرش وغيرهم ممن أشادوا بأصواتهم في المواويل والأغنيات الشعبية والطربية والطبقات العالية والتنقل بين قرارات وجوابات ومقامات دونما مشقة، بل لأن الخطأ غير مسموح في أعمال الكفوري.

أما المفاجأة الكبرى فكانت منذ أيام، عندما صادفتُ رابطاً لأغنية الكفوري وقد أداها مباشرة أمام الحاضرين في إحدى الحفلات عبر إحدى شاشات التلفزة، وقد انهمر شلالاً من المشاعر عند أدائها، وهنا، لو صحّ لنا أن نطلب إليه أن يوقف تسجيل أغنياته في الأستديو حسبما يريد الملحن، لفعلنا، لكننا نعرف أن الغناء المباشر هو ما يفعمه بالحياة، ويُغْنِي اللحن به، وينسينا معاني الكلمات، لأن الصوت هو الغالب.

مع أطيب تحياتي للصديق الملحن والموزع ملحم أبو شديد، واحترامي الشديد لجهده في إنجاز مزيج صعب التركيب.
للشاعر منير بو عساف: سلام من القلب الذي يعشق وردة العالم العربي، قبل رحيلها وبعده، سلام إلى من كتب لها أرق الكلمات، وأرقى المعاني.. وعلى هذا الرُّقي أناديك بأن تبقى معتلياً إياه دونما تساهل.
سهير قرحاني