بانتظار جديد النجم فادي أندراوس.. “أهواك اهواك” تحت المجهر

يُطل علينا "روك ستار العرب" فادي أندراوس في عمل جديد مرة كل عام أو أكثر، وكأنه يعيش في "كبوة" تحت عنوان "زوروني كل سنة مرة" - بالإذن من الشاعر محمد يونس القاضي - ليعود بعدها، بأغنية جديدة، قد تُبهر محبيه، أو قد يعترضون عليها، رغم محبتهم له.
فادي أندراوس الذي أحبه الناس من خلال يومياته عبر برنامج "ستار أكاديمي"، إحتل قلوبهم بسرعة كبيرة، بكل ما في شخصيته التي قلّما تشبه أحداً، ورغم ميله نحو الأغنيات الغربية.
كما تميز بـِ ستيله الخاص في ملابسه وأكسسواراته وشعره، ورغم تلك القشور التي يعشقها البعض في نجومهم، إلا أن الأندراوس تميز حقاً فيما بعد، بنظرة إخراجية فاجأتنا، واعتدنا عليها.


فادي.. "أهواك" وعثرات بالجملة..
نعم، "أهواك اهواك" لم تكن على قدر التوقعات إخراجياً، رغم جمال معظم الأفكار فيها، وإن لم تدخل تلك الأفكار صلب الموضوع، وإن لم تكن متواترة، لكنها ومن المشهد الأول، ذي الفكرة الجميلة، التي صارت طابعاً رسمياً باسم الأندراوس، بعد ورودها في أكثر من كليب لك، وهي التأمل، نرى المشهد وبكل أسف، تفترش أرضه عثرة ما بعدها عثرة.
لقد اعتدنا نسبة تركيز عالية منك يا فادي، تأخذنا إلى جماليةٍ وإبداعٍ وتميّزٍ في لقطات كثيرة في أغنياتك التي صورتها وأخرجتها بنفسك، والتي أتابعها ببعض تفاصيلها، إما أن تعجبني فأتكلم، وإما لا، فأسكت. لكن هذه المرة، وبعد أن أكدتَ لي أنك لم تر أخطاء في الكليب، سأشدو لك بالقليل.
ولنرَ سوياً نحن وإياك وجمهورك الذي أبدى انزعاجه رغم محبته لك عمّ أتكلم، وبعينيَّ كمصورة محترفة هذه المرة، وليس بعينيك:
المشهد الأول: لا أحد يُنكر أن ثقافة التأمل من أهم الثقافات القديمة الحديثة، والتي اشتهرتَ يا فادي بممارستها، ولا شك أن فكرة البداية معها جميلة، لكن.. "شو جاب أرض حديثة لقلعة عمرها أكثر من ألف عام"؟ أو مكان حَمَل القِدَم بكل أركانه؟ هذا دون ذكر تفاصيل صغيرة من بينها الشموع.
المشهد الثاني: الدخول إلى المشهد الثاني كان جميلاً، إنما ما حاولتُ فهمه على أنه لوحة استعراضية لأربع فتيات - قد تكون حركاتهن الشرقية أندلسية - صدمني قلة التناسق بأدائهن. وماذا عن الراقصة التي عادت إلى الخلف بعد أن كانت في المقدمة؟ لقد حوّلت فجأة الشرقي إلى غربي، كما كاد خصرها يتفكك لشدة الشد. والقصد هنا أنها خرجت عن نوع الرقص وكيفية أدائه، إلى أداء نوع آخر يستلزم كل هذه الشِّدّة، لإبراز الحركة. ومع أن هذه الراقصة خطفت الأنظار، لكنها لم تستطع حجب أنظارنا، عن علب كهرباء على الجدران، كان وجب إخفاؤها نهائياً. الأغرب في هذه اللوحة، هي الأفعى التي بدت وكأنها ابتعلت "دوز حشيش"، فتثاقلت حركتها، في وقت كان يجب أن تتراقص فيه مع صوت الموسيقى، فاختصرت حركتها بالإلتفاف حول مهباج (يُستخدم لطحن البن قديماً) كانت وظيفته الوحيدة إعاقة النظر. إلى ما هنالك من أخطاء صغيرة.
المشهد الثالث: ما زال الدخول من مشهد إلى آخر محافظاً على تميزه، واستكملنا هذا التميّز بالزّي الذي ارتديته يا فادي، ليعطي إضافة جميلة للمشهد، لكن ما جعل أعيننا تضيع فجأة، هو لون الشال الأحمر الذي برز على أعناق الشبّان على يمين المشهد وكان موحداً، والذي تحول إلى البيج ومن ثم إلى البيج والأحمر حول أعناق الشبّان على يسار المشهد. ولم يقتصر هذا الإختلاف على اللون فحسب، إنمّا في حركات الرأس بعد أن توقفتَ أنت عن تحريك رأسك، وكل هذا كان ضمن الكادر الخطأ الذي بدا واضحاً منذ البداية.


المشهد الرابع: ما أزال أبحث عن مبرر للمصوّر تحديداً، لإعطائنا نحو "دزينة كادرات" لمشهد واحد، تلك اللوحة الراقصة التي لا لوحة فيها ولا إبداع. كما أبحث عن سبب لتقطيع رأس وأعضاء هاشتاڠ #أهواك_أهواك الموجود على الجدار خلف الراقصين "اللي كان كل واحد فاتح رقصة ع حسابو". أمّا مشهد الأرضية، فحدّث عنه بلا حرج.. نحن عادة نرمي المياه على أرضية أشبه بالمرآة ليرتد المشهد إلينا أسفل الصورة، لكن ما نفع المياه على أرضية غير عاكسة بهذا الشكل؟ سؤال برسم من يستطيع الإجابة، لكن بمنطق لأني لن أقبل مبررات سخيفة. حتى أن كمية المياه غير كافية لتُضفي إثارةً على حركات أقدام الراقصين إن كان القصد منها ذلك. وطبعاً بعد كل هذه الفوضى، ما زلت مندهشة لمن يستحم على قارعة الطريق، مع "دوش" معطل. وإن كان للغرابة مبرر في أعمالك، فهذه الغرابة هنا، لا تتخذ منحى الإبداع، بل طريق الهاوية.
المشهد الخامس: ينقلنا إليك وأنتَ تتزعّم إحدى القبائل القديمة في مجاهل الغابات، والذي ظهر أسلوب عيشها عبر طريقتك العنيفة بأكل العنب، والتي انتقدها كثيرون وكانوا على خطأ دون شك، فالمشهد متكامل من حيث الأداء والمكان، وهو مشهد "إندراوسي بامتياز". واستمر معه هذا العنف الذي بدأ من نظرة عينيك التي أغنت المشهد، إلى وصول وجبة الغداء وهي "الحبيبة"، ما دفعنا للسؤال الوحيد والأهم في هذه اللوحة: "إنو مسموح تقول بتهواها بتهواها وآخدها عالشوي، بدل ما تعفي عنها وتنغرم فيها"؟
المشهد السادس: وهنا فقد الإنتقال من مشهد لمشهد جماليته، فكان عادياً ينقلنا من جمال "هذا وذاك" إلى استعراض لا يستعرض شيئاً، سوى لقطات أتعبني بحثي عن واحدة منها لم تُقصّ فيها الرؤوس أو الأقدام. ولا يسعني سوى القول: إن المشهد بكامله لا معنى له ولا هدف منه.
المشهد السابع: مِن أجمل الأفكار كانت العودة إلى مشهد التأمل، حيث تابعنا وصولك ومن معك إلى نقطة الإشراق، كما هو معروف عن فلسفة التأمل بين العرب والصينيين. لكن.. يُعاد مشهد الأرضية الدخيلة وبطريقة أوضح وفيها الكثير من الأخطاء. "والله يا فادي كأنك كنت على كوكب تاني وما كنت عم تراقب المشهد قبل ما تنقل على تصوير مشهد تاني".
المشهد الثامن: تفدي محبوبتك بعمرك - الذي كان جزءاً منه في ورشة بناء - حيث شاركت العمال حياتهم وفقرهم، وهنا ظهر تميز أفكارك، كما ظهر إبداع المصوّر لمرة واحدة، ضمن مشهد الذبابة، بلمسة جميلة حقاً، لكنه ما لبث أن أظهرَك يا فادي تارة بجسمٍ ممتلئ وأخرى بجسمٍ نحيل. وبمشاركة العمال الرقص مع الموسيقى بوجوه ضاحكة، وإصرارك على عقد الحاجبين والنظرات المخيفة، مع أنك تقول لمحبوبتك: "مِنِّي خايف لك اش بيك.. مش ظابطة يا صديقي. خوّفت أبوها مش بس هيي". أما الحلقة في أذنك ضمن هذا المشهد بالذات، فلم تكن مناسبة لواقع حال العمال في مجتمعنا، وأما في المجتمع الغربي الفقير، فهي عادية.


المشهد التاسع: تبدو أنت وحبيبتك وبعضٌ من رفاقك وكأنكم خارجون من نفق الظلام إلى النور، لكن المفاجأة أنكم وصلتم إلى "طناجر" لا أعرف صِلتها بالمشهد حتى الآن، رغم بحثي المستمر في غيابات عقلي، إلا أني عجزت عن إيجاد السبب. كما أزعجتني حركات الراقصات كثيراً، "وفيك تعمل screen capture أو print screen متل ما بتحب تسميها، تا تشوف الفظايع".
المشهد العاشر: كان في غاية الأهمية الإتصال بمجلس حقوق الإنسان، لأن الحب الأندراوسي دفعك لتعذيب حبيبتك وأنت تقول لها: "غلاك انت أبد ما صار".. وصار وقت التعذيب. وكان ظاهراً أن هذه الحبيبة لم تشعر بالخوف، حيث استمرت بالغناء خلال فترة التحليق في الصندوق "معقول! خليها تراعي المشهد عالقليلة"، وعندما ازداد غضبك أكثر، قررتَ تعليقها من رجليها، وتسليمها لرفاقك بغية تعذيبها أكثر. وبدا من الواضح أنّ الإثارة أصابت المصوّر، الذي لم يضع تركيزه على كادر صورتك من الخلف، فاحتاجت (..) إلى نصف الشاشة لاستيعابها. "يا مصوّر.. الرحمة أرجوك".
المشهد الحادي عشر: أجمل ما فيه إطلالة شخصية بقيمة أبو سليم وفرقته، وأجمل ما في أفكارك فادي، أنك تذكرت تكريم هؤلاء الكبار في عمل لك، لكن المفارقة أن طاولة التكريم، كانت أفقر مما يجب "وما بدي أعرف ليش". أما الراقصين في هذا المشهد، فلم يكونوا بلباسهم وتصفيف شعرهم مناسبين للباسك، ولا لحقبتنا الزمنية التي نعيشها، بل تعود لأكثر من ثلاثين سنة تقريباً، فما الهدف يا تُرى؟ إن قلتَ أن زيهم مناسب لزي أبو سليم، "مش ظابطة، وبلا طول شرح". عذراً منكم على هذه الملاحظة، لكن شدني أن أحد هؤلاء الراقصين، بدت حركاته وكأنه مضطر لدخول الحمّام بأسرع وقت ممكن. "ذكرني بتصوير (عين الجوزة) التي بخُل منتجوها عن وضع مراحيض للممثلين وتركوهم أياماً طويلة يعانون الحشرة".
المشهد الثاني عشر: يبدو أنك توقعت أن لا نفهم الكثير من المشاهد، فوضعت لنا في النهاية thinking face. والأغرب ظهور تلك المرأة بجانب الوجه المفكر، وهي تصور ما لم نعرف ما هو "يعني الوجه المفكِّر لإلنا نحنا نحزر". ربما كان حريٌّ بتلك السيدة أن تصور الأشياء الغريبة على الأرض، والتي قد تكون مكبرات صوت أو إضاءة أرضية، يقابلها حجراً "والعلم عند الله شو الهدف من هذا وذاك". الآن تصل يا فادي إلى نفس المكان مع الملحن الذي يحاول تعليمك بعض الحركات الراقصة ربما! لكن كان يجب ظهورك بما يخدم فكرة ولو واحدة لهذا المشهد.
مع كل تلك التفاصيل، وما زال في جعبتي البعض.


قراؤنا الأعزاء، أعلم أني لو سألتُ فادي عن الحبيبة التي اختفت بعد تعذيبها سيقول "ما في قصة للكليب" لذا لن أسأل.
وبالذهاب إلى الجنريك، (أي تتر الكليب، أي عرض أسماء كل من شارك في العمل)، نجده تحول إلى Gallery على هاتف نقّال، وكل الصور فيه لا تليق بتتر أغنية لنجم، "وما حدا يقول هيك عالطبيعة أحلى، تركولي الطبيعة الله يرضى عليكن".
لنعد إلى تتر "أهواك اهواك" حيث وإن كففنا البصر عن المُستحِمِّ {لمن استطاع إليه سبيلا} ونظرنا فقط إلى إسمه - إذ إن المُسْتَحِم المجهول الهوية لم ينته من استحمامه بعد - فنرى أنه قد رافق صورته إسمان، أحدهما روي مراد، والثاني جان شديد، "وإنتو احزروا شو إسمو". أما لناحية نوع عمله، فهو hair and shower، "ما حدا يسألني شي..".
لنصل إلى صورة مدير التصوير وسيم نُهرة "يا فادي اعطيه ثانيتين حتى يتصور، مش هوي وعم ياخد لقطة لمشهد رعب.. والله ألله بيحب الجمال مش بس أنا".
لا شك أن كل الصور غلط، ما عدا صورة هذا وذاك، إذ يبدوان الأجمل مع نفحةٍ من خفة الدم، حيث ترتسم على شفاهنا بسمة لا تلبث أن تختفي مع لقطة "الطناجر".
عتبٌ لي، لكن هذه المرة "مش عليك" إنما على الـchoreographer (مصم الرقص) هادي عواضة، والذي قدّم معك لوحات راقصة معبرة في كليب "لما تكون"، وكان هادي هو من قدّم تتر الأغنية بطريقة أقل ما يُقال عنها أنها "مهضومة. لن أسأل هنا عن خفة الدم، لكن أقلها تناسق الحركات الراقصة، فحتى الجنون في الفن له حركات مدروسة توحي به، وما قدمته في "أهواك" هو تدمير للكليب بكل ما فيه، إذ كان بمعظمه يتكل على اللوحات الراقصة. "الله يوفقك يا هادي، وما تنسى ترجع عالأرض".
أخيراً، وبعد أن ساءني انعدام أي خبرة بالتصوير، وبالإشراف على الإخراج، إلى جانب أن لحن الأغنية لم يكن مناسباً لك، أخبرك على الطريقة الأندراوسية: ليس من المسموح لفادي أندراوس المخرج المبدع، وصاحب العين الثاقبة أن يترك كل هذه الأعمال لغيره، فيصبح الكليب أكبر هفوة عرفها مذ بدأ عمله الفني، وخصوصاً أننا نعرف أنه ينتج كل أعماله على نفقته الخاصة، دونما مساعدة من أي شركة إنتاج.
وبانتظار إعادة النظر فيما آل إليه حال هذا الكليب، إنِّي وجمهورك ومحبيك في لبنان والعالم العربي، ننتظر منك التعويض عمّا سلف ذكره، بعمل آخر يحمل بصماتك الإخراجية، ونظراتك التصويرية العميقة، وأفكارك الإبداعية، ولمساتك غير العادية.
سهير قرحاني

Comments are closed.