حيرتني بعضٌ من قواعدِ اللغةِ العربيةِ منذ الصغر، لكني لم أُكثرْ من الأسئلة لدرءِ حيرتي، أو عجزتُ ربما عن النظر في عيون المعلمينَ مربي الأجيال، الدارسين الفاهمين، كي أسألَهم عن أخطاء مستدامة، يستمرون هم أنفسهم بتدريسها بقناعة تامة.
وليس عيباً أن نجهلَ أشياء، بل العيب أن لا نسأل كي نَعْلَمَ، فنبقى في الجهل غارقين. هذا رأيي، لكني أشذّ عنه عندما أرى بقلبي وعقلي وأحسّ بعينيَّ وأذنيَّ أن الذي عليّ سؤاله بما أودّ معرفته، هو له جاهل، فيبقى السؤال متراكماً مع غيره في غيابات عقلي، لا يراه أو يسمعه سواي، يعذبني حتى أجد له يوماً جواباً، خصوصاً بعد أن غاب أرباب العلوم (الفلاسفة) وغاب إليهم أرباب اللغة العربية.
فهل أجد الآن جواباً لـِ (كان) التي حيّرتني لسنواتٍ طوال؟
لماذا ينصّ نصّ الإعراب الذي لا يجوز تحديثه وكأنه منزلٌ، على أن (كان) فعل ماضٍ ناقص؟ فماذا نقص منها؟ أهو حرف ما؟
وما خَطبها لتستمر أكثر من ألف عام ناقصة؟ ألم تجد بعد ما نقص منها لتسترده وتنتهي من العار الذي حملته دهراً؟
جدل مستعرٌ في داخلي لأسئلة ما زادني جهلُ إجابتها سوى إصرارٌ على أن هذا الفعل كامل لا نقصان فيه، وأنه حاجة للغة العربية لا غنى عنها ولا بديل لها.
أخيراً، جمعتني الصدفة بكتاب على منضدة أحدهم، يحمل صورة صغيرة تبدو أنها وريقات من القرآن الكريم، أدهشني عنوانه وهز عقلي الذي لم يقنع يوماً بالكثير من التحليلات في مختلف العلوم، وهو "جناية سيبويه"، يعلوه إسم زكريا أوزون الذي لم أسمع به من قبل، وكتب تحت الصورة "الرفض التام لما في النحو من أوهام"، فقلت بصوت خافت، (هذا هو المطلوب، هللي يا نفسي، ربما وجدت بعضاً من كنز، يجيب عن أسئلتي وينير الظلمة التي تلفني في غربتي، ربما..)!
أملت حقاً أن تكون جرعة ثقافة إلى جانب ما اختزنت، لتكون معرفة جديدة أستفيد منها. خصوصاً أنني لا أشارك الكثيرات من بنات جنسي في هواياتهن، والكتاب أوّل ما يغويني وهو ما أستطيع حمله معي، وبقية الأمور، لا أستطيع معها حيلة، فكل ما أحب، أحبه بمكانه، كالورود والسماء والغيم والبرق والغيث والبحر. فالورود مثلاً، وإن أحببت شمها وضمها فقطفها لا يغويني، بل يمزّق مني شيئاً أجهل ما يكون.
أعود إلى الكنز الذي وجدته، وهو الكتاب الذي سيجيب عن أسئلتي ربما، وحملت هذا الكتاب متلهفة لقراءته.
بدأت بقراءة المقدمة على غير عادة، ممهدة لأشياء لا أود أن أصدم بها مثلما حصل لي بعدما رأيت الغلاف، حيث خطر لي أن سيبويه جنى على نحونا بجريمة ما، علّ هذا الكاتب اكتشفها ولو متأخراً.
ما هي هذه الجريمة يا ترى، ففي نحونا حسب ظني الكثير من الجرائم؟ لكن ما دخل القرآن الكريم؟ كل ما أعلمه أن النحو لم يستطع صرف وفهم وتحليل وإعراب الكثير من آياته، وناموا على مبادئ قديمة رثّة نومة أهل الكهف بعد أن ناموا مرة ثانية.
سأكتشف الآن القصد والمغزى، وعلّ الأستاذ أوزون يسقيني معرفة فيرويني.
بدأت بقراءة الإهداء فإذا هو مقدّم لمن يحترمون العقل ويحتكمون به في الحكم على النقل، وأما المقدمة فهي تعريف باللغة، وغزو إحداها للعالم وجمود لغتنا والأسباب وشرح بسيط لأسلوبه في نقد علم النحو، وخاتمة المقدمة تأكيد من الكاتب على إمكانية أن يكون هذا الكتاب "نقدياً وتعليمياً في آن" (ما كل هذه الثقة يا أستاذ أوزون!)
أُكملُ القراءة، ولأول مرة أرى "زبدة الكتاب في بدايته" مع العلم أن الزبدة والزبد يتكونان آخر العمل، فقرأتها آملة أن توصلني إلى النهاية من البداية، فأعرف جناية سيبويه فوراً، وكانت اثنتي عشر صفحة، يربط أولها بين فحوى الكتاب والقرآن الكريم (الصلة).
ومن ثم السؤال الثامن حسب الكتاب: "هل اتّبع القرآن الكريم قواعد اللغة العربية"؟ ويجيب الأستاذ أوزون: "فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية – لساناً عربياً – وبلهجة قريش كما رأينا وخاطب العرب والناس كافة إلاّ أنه لم يخضع لقواعد سيبويه وغيره... كيف ذلك والقرآن الكريم كلام الخالق، والقواعد من نتاج المخلوق؟ وهل يقيّد المخلوق كلام الخالق؟ لقد ادّعى النُحاة أنّ مرجعية النحو هي القرآن الكريم، وأن النحو غايته فهم القرآن الكريم وأنك لن تفهم القرآن الكريم بدونه، إلاّ أننا نرى غير ذلك، وسأقوم في كتابي هذا بإظهار كثير من مخالفات القرآن الكريم لقواعد اللغة العربية السيبويهية والتي - للأسف - قام كثيرٌ من النُّحَاة بإيجاد تخريجات لها غالباً ما تكون مضحكة كما سنرى. وهنا ينبغي لفت النظر إلى أن القرآن الكريم معرب - في علم النحو - بشكلٍ كاملٍ في كثير من كتب اللغة إلاّ أنه غير مفسر بشكل متطابق ومطلق عند أهل الفقه وعلماء الإسلام كافة أي أن الإعراب لا يكفي ولن يغني عن الفهم التام للنص، فمثلاً في الآية التالية من الذكر الحكيم: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا...} (سورة البقرة، الآية: 282). ويعرب النحاة "ما" بعد (إذا) زائدة، ولهم قاعدة في ذلك... ألا أدلك على شيء فيه فائدة: (ما) بعد (إذا) زائدة، إذاً نحوياً يمكن إسقاط "ما" بعد (إذا) في قوله تعالى، فهي زائدة، لكن حاشى لله أن يكون في كلامه زيادة أو حشو فهو الحق وكلماته الحق".
ولا أملُّ انتظاراً، ففي الصفحة السادسة أجد العنوان المناسب للأفعال الناقصة، ويبدأ الأستاذ أوزون دفاعه عن (أمسى وأصبح وما دام وكان) فتفضح أساريري ابتسامة المنتصر، حيث جاء من يناصر رأيي قائلاً "ثم نأتي إلى الزعيمة (كان) التي لا أدري لماذا لا تملك آباء أو أجداد وإنما لها أخوات فنجد أن الله عز وجل يقول {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} سورة البقرة الآية 280 (كان) هنا تامة وذو فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأفعال الخمسة حسب أهل اللغة".. هذا كل ما ذكره الكاتب عن (كان) بعد أن ظننتُ أن الشرح سيفيني حقي إجابات تلو أخرى.
وحسب رأيي، أضاء الكاتب على (كان) بلمحة صغيرة ولم يعطها كامل حقها، كما لم أستسغ قوله "لا أدري لماذا لا تملك آباء أو أجداد.." فليس التهكم هنا في مكانه الصحيح، وأهمية (كان) أكبر من أن نبلغ مقصد وجودها في اللغة العربية بهذا العدد القليل من السطور.
أعلم أن لك من العلم مبلغٌ يا أستاذ أوزون، إنما يبدو أنك ترى نفسك رب أرباب اللغة مجتمعين، والكِبَر من أبرز ما نهانا عنه المولى عز وجلّ، كي لا يضيع منّا التواضع ويضيع معه أهمية ما نملك من علم ومقصد.
زكريا أوزون
"هذا الكتاب يبين بشكل مبسط، موجز ونقدي أن قواعد اللغة العربية شكل بلا مضمون وتعلمها مضيعة للوقت وتشتيت للتفكير وهي معطيات متخبطة خالية الدلالة مليئة بالوهم والحشو، لذلك، لم ولن يتعلمها معظم الشعب العربي لاستخدامها في الحياة اليومية العملية والعلمية ولا يمكن للأمة العربية أن تتطور فكرياً وأن تعرف الدقة – سمة هذا العصر – دون إعادة النظر في كثير من قضايا اللغة العربية وعلى رأسها تلك القواعد السائدة".
Im more than happy to discover this site. I want to to thank you for your time for this particularly fantastic read!! I definitely really liked every ...
awwal khabar
مذكّرة توقيف فرنسية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حملت مجموعة "أوميڠا" على الاحتفال أمام منزله بالمفرقعات النارية
https://stevieraexxx.rocks/city/Discreet-apartments-in-Ashdod.php
مذكّرة توقيف فرنسية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حملت مجموعة "أوميڠا" على الاحتفال أمام منزله بالمفرقعات النارية
محمد سليم سعيد بخش
"القاضي جوني قزّي.."رحلة العمر إلى الجنسية