فلسطيني بلا هوية لـِ صلاح خلف (3) إنفجار التيار الجزء الثالث

فلسطيني بلا هوية

لـِ صلاح خلف

(3) إنفجار التيار
الجزء الثالث

تم تحضير عملية 31 كانون الأول 1964 بصورة دقيقة وعلى مدى أكثر من شهرين. وأعطينا الفدائيين أمراً، بين جملة ما أعطيناهم من أوامر، بألا يحدثوا خسائر في أرواح السكان المدنيين الإسرائيليين كائناً ما كانت الذريعة، فقد كانت تلك هي إرادتنا في البدء. إلا أن سلوك السلطات الإسرائيلية اضطرنا بعد ذلك، لسوء الحظ، على أن نخالف القاعدة التي أقمناها. فالغارات الانتقامية الإسرائيلية، توقع بصورة عامة الكثير من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين وخصوصاً عندما تدك مخيمات اللاجئين بصورة همجية عمياء، فمن الطبيعي أن نرد نحن بصورة مطابقة، لردع العدو عن مواصلة المجزرة ضد الأبرياء. فالعقيدة الصهيونية ذات الجوهر العنصري معروفة تماماً: فهي تقوم على تبرير إبادة عشرات، بل مئات الفلسطينيين وأحياناً على تدمير مناطق بكاملها تدميراً تاماً، كعوض عن موت إسرائيلي واحد.
وبطبيعة الحال، فإن سلطات تل أبيب فوجئت بعمليتنا التي تمت في 31 كانون الأول. كنت يومها في مهمة مراقبة في بيروت فرحت أصغي بدون انقطاع إلى الإذاعة الإسرائيلية التي كانت تذيع بلاغات مشوبة بالتشوش. كانت البيانات تنسب غارات الفدائيين إلى منظمات بأسماء تجهلها بالكامل. وإنما وعى المسؤولون الصهاينة طبيعة وأبعاد المشروع بعد أن نشرنا بلاغنا العسكري الأول، في أوّل كانون الثاني (يناير) موقعاً باسم (العاصفة) لأننا كنا لا نعرف مقدماً، ما إذا كان مشروعنا سينجح أم لا. ولما كنا لا نريد توريط فتح، فقد اخترنا اسم (العاصفة) كإجراء احترازي. ولن نشير إلى (العاصفة) ليست سوى النجاح العسكري من حركتنا إلا بعد ذلك بكثير.
أما بالنسبة لوسائل الأعلام العربية، فقد أصابنا منها، بعد بضعة أيام من الصمت المذهل سيل من القدح والسباب. فنحن بالنسبة لمصر لا يمكن أن نكون إلا إخواناً مسلمين متعصبين من عملاء الاستعمار. فصحيفة الأنوار اليومية الموالية للناصرية. والتي تصدر في بيروت خصصت صدر صفحتها الأولى لعنوان «يبين» فيه أننا عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية (السي. أي. إيه). أما السعوديون فكان رأيهم أننا عملاء الشيوعية الدولية. وأما الأردنيون من جهتهم فصنفونا في خانة معسكر الثوريين العروبيين.
لا بل إن وطنيين فلسطينيين لا ينتمون لفتح، لم يعفوا عنا هم أيضاً. فقد انتقدنا وطنيون من أمثال غسان كنفاني ـ الذي سيغتاله الإسرائيليون عام 1973 ـ بمقالات ملتهبة نشرت في صحيفة المحرر اليومية. وقد أجبت على مقالاتهم على أعمدة الصحيفة ذاتها ـ باسم مستعار. أما أحمد الشقيري فراح يندد بنا باسم منظمة التحرير الفلسطينية كأعداء لحركة التحرير الفلسطينية. ثم ما لبث أن واكب على مهمة إنشاء منظمات وهمية حتى لا تنفرد «فتح» في الساحة وحدها.
والحقيقة هي أن أحمد الشقيري لم يكن سوى أداة الجامعة العربية التي كانت تسعى لتدميرنا. فالفريق المصري علي عامر، الذي كان يشغل في تلك الحقبة منصب قائد القوات العربية الموحدة، وجه مذكرة إلى كل الحكومات العربية طالباً إليها قمع نشاطاتنا بشدة لعدم «إعطاء إسرائيل ذريعة لمهاجمة البلدان العربية». فكان أن اغتنم الأردن ولبنان ذلك، ليمنعا الصحافة حتى من ذكر اسم (العاصفة). بحيث أن بعض الصحف التي حظر عليها نشر بلاغاتنا، كانت تلتف على حظر الرقابة، بأن تنقل تصريحات الناطقين الإسرائيليين الذين كانوا يشيرون إلى (العاصفة) وصنائعها.
وفي 28 كانون الثاني (يناير) 1965 نشرنا أول بيان سياسي مهرناه باسم (العاصفة) وأعلنا فيه ارتباطنا وتعلقنا بالأمة العربية ونضالاتها. ولكنا وجهنا إليها نداء ندعوها فيه إلى دعمنا في كفاحنا المسلح الذي شرعنا به لوضع حد للأمر الإسرائيلي الواقع. ثم خلصنا إلى القول «بأننا لن نضع السلاح طالما لم تتحرر فلسطين ولم تحتل المكانة التي تستحقها في قلب الأمة العربية».
لكن الأنظمة العربية صمّت آذانها عن هذا النداء، مكثفة في الآن ذاته حملة القمع. فشهيدنا الأول أحمد موسى سقط برصاص أردني. فقد كان عائداً من مهمة في إسرائيل حيث تمكن من الإفلات من القوات الصهيونية، فقتل بعد أن اجتاز خطوط العدو من قبل جنود الملك حسين. وتكاثرت المداهمات وزخات الرصاص في وادي الأردن، بحيث أن 250 فلسطينياً يشتبه بانتمائهم أو تعاطفهم مع (العاصفة)، كانوا عشية حرب 1967 في السجون الأردنية. وكذلك فإن القمع كان شبيهاً في بقية البلدان العربية، وإن كان أقل شراسة مما هو حاله في الأردن ـ بحيث أن الفلسطينيين كانوا مراقبين مطاردين معتقلين.
غير أننا كنا مبتهجين لأن بلدين على الأقل، كانا يشذان عن هذه القاعدة. ففي الكويت، تبنت دوائر الأمن إزاءنا موقفاً محايداً، وفقاً لتقاليدها في الحكمة والتسامح، وكذلك بسبب تعاطفها مع حركة تحرر لا تتهدد سلطة واستقرار النظام القائم. أما في سوريا فكان الوضع أكثر تعقيداً. فالحكومة السورية وحزب البعث كانا يعتبراننا «انفصاليين» وذلك بالقدر الذي كنا لا نشاطرهم فيه تصوراتهم العروبية، ولكن عدداً من المناضلين البعثيين كانوا يقدمون لنا المساعدة، تقديراً منهم بأن كفاحنا هو على كل حال، أهل للدعم.
غير أن سلطات دمشق عمدت، بدون أن تحاربنا إلى مناورات مختلفة لاحتوائنا، بل وللسيطرة علينا. فراحت تعمل بالاتفاق مع مناوئينا «المتعقلين» داخل قيادة فتح، محاولة التسرب إلى منظمتنا والسيطرة عليها بإدخال عناصر مؤيدة لها، إلى داخلها. كانت هذه حالة يوسف العرابي ومحمد حشمت، وكلاهما فلسطينيان ذوي نزعة بعثية وإعداد عسكري، تطوعا في صفوف العاصفة. كنا نعتبرهما كمقاتلين مخلصين لقضيتنا، إلى أن قتلا في نهاية شهر شباط ـ فبراير 1966 برصاصات مسدس ولم يتضح لنا حتى اليوم كيف قتلا؟
وما لبثت السلطات البعثية أن ارتابت في أن نكون قمنا بتصفيتهم. وهكذا فقد جرى توقيف قادة فتح الذين كانوا موجودين في دمشق حينها ـ ياسر عرفات، أبو جهاد، أبو علي إياد، وأبو صبري، وكذلك سبعة أعضاء آخرين أقل أهمية ـ وجرموا بالاغتيال.
وعلى الفور غادرنا فاروق القدومي ومحمد يوسف النجار وأنا، الكويت متجهين إلى دمشق بغرض تأمين الإفراج عن رفاقنا. وهناك راح العقيد صلاح جديد، الرجل القوي في النظام الذي كان قد أقامه لتوه العقيد صلاح جديد، بعد أن أقصى الشريحة «اليمينية» في البعث، يصغي إلينا بكثير من الأدب والمجاملة. وبعد محادثة طويلة فهمنا أن القضية بين يدي حافظ الأسد الذي تمت ترقيته منذ فترة بسيطة إلى منصب وزير الدفاع، فبدت لنا محاولتنا وكأنها بدأت بداية حسنة. فمع أني لم ألتق بالأسد مطلقاً، إلا أني كنت أعرف العلاقات الوثيقة التي أقامها منذ سنتين مع ياسر عرفات وأبي جهاد. وقلت في نفسي: إننا لن نجد مشقة في إقناعه ببراءتهم، لاسيما وأنهم أضربوا عن الطعام منذ ما يقرب الشهر وإن حياتهم في خطر.
وكانت أول مفاجئة هي أن حافظ الأسد جعلنا ننتظر ثلاثة أيام قبل أن يحدد لنا موعداً، وكان موضوع الاستغراب الثاني، والذي زاد من قلقنا هو أنه تلقانا قريب عتبة مكتبه في وزارة الدفاع، وهو يسألنا بجفاء عما نريد. ثم قاطع العرض الذي كنت أقدمه له ليبلغني بأن رفاقنا المسجونين مذنبون، وأن شيئاً أو أحداً لا يستطيع أن يقنعه بالعكس. فنشب بيننا جدال عنيف. وعندما بلغ مني الحنق مداه، قلت له «إن موقفكم يؤكد شكوكنا بأنكم تسعون في الواقع إلى خنق الكفاح المسلح الذي بدأناه، في المهد. وعلى أي حال فأنا أشكركم على استقبالكم، ولكن فلتعلموا أنكم تتحملون أمام التاريخ المسؤولية في أنكم وجهتم ضربة شديدة إلى حركة التحرير الفلسطينية».
وسكت حافظ الأسد، ثم بعد لحظة تأمل، دعانا في اللحظة التي كنا نتظاهر فيها بأننا نهم بالانسحاب، للدخول إلى مكتبه ودار نقاش دام أكثر من ثلاث ساعات. وطرح علينا ألف سؤال حول فتح وإيديولوجيتها وأهدافها ثم وبخاصة حول عرفات (الذي كان يعرف حينها باسمه القتالي رؤوف) الذي كانت شخصيته تحيره. مع أن ياسر لم يكن مجهولاً بالنسبة للسلطات السوريةـ فقد أوقفته سلطات دمشق في نهاية عام 1965، لاشتباهها بضلوعه في تخريب خط أنابيب (التابلاين)، ثم أفرجت عنه بعد ذلك ببضعة أيام لعدم توفر أدله ضده.
وخلص حافظ الأسد إلى القول وهو ظاهر الرضى: إذهبوا لتوكم إلى سجن المزة، فسوف تغادرونه مصحوبين برفاقكم المسجونين وسأعطي الأوامر اللازمة للإفراج عنهم.
وقد وفى بوعده فيما يتعلق بعشرة من المتهمين. أما الحادي عشر، وهو مناضل بسيط من فتح فما يزال إلى اليوم في السجن رغم أنه بريء من التهمة الموجهة إليه».
واتخذت قيادة فتح قراراً «بتجنيد» نشاطات الأشخاص المفرج عنهم كبادرة حسن نية إزاء السلطات السورية، وتكفيراً عن الأخطاء التي ارتكبوها، إلا أن عرفات لم يكن يحتمل هذا الأمر الذي شعر به حينها وكأنه عقاب. فهو بطبيعته لا يستطيع أن يظل ساكناً، فكان أن عرض علينا الصفقة التالية: تكلفه حياته إذا ما فشلت، ولكنه ستكون مفيدة للحركة إفادة خاصة، إذا ما تكللت بالنجاح، فقبلنا عرضه.
وعلى هذا فإنه انطلق مع مجموعة من الفدائيين باتجاه الحدود اللبنانية الإسرائيلية. غير أن دوائر الأمن في بيروت، اعترضته لسوء حظه، وراح اثنان من ضباط المكتب الثاني يتبادلان استجوابه. فكان أحدهما، وهو سامي الخطيب، القائد الحالي لقوات الردع العربية، يحاول أن يتحرى عن هوية رفيقنا الذي ارتاب في انتمائه إلى مخابرات عبد الناصر. غير أن عرفات كشف اسمه الحقيقي دون أن يشير إلى أنه عضو اللجنة المركزية في (فتح) وقائد قوات (العاصفة). بيد أن الشكوك التي تحوم حوله بدت وكأنها تتأكد حين تدخل المكتب الثاني السوري بناء لطلبنا، لصالحه، ذلك أن السلطات اللبنانية لم تكن تجهل بأن ثمة تعاوناً وثيقاً كان يربط دوائر الاستخبارات المصرية والسورية. أما نحن، فإننا أبلغنا من جهتنا حكومة بيروت، بأننا سنقوم، إذا لم يجر الإفراج عن عرفات ورفاقه، بسلسلة عمليات في لبنان على سبيل الانتقام. وتحت التأثير المزدوج لهذا التهديد ولضغوط دمشق، فإن مسؤولي بيروت أطلقوا سراح عرفات وبقية الفدائيين من سجن الرمل بعد ثلاثة أسابيع من الحبس.
كان من الواضح أننا لن نستطيع مواصلة مهمتنا، إلا إذا أعدنا العلاقات مع الأنظمة العربية إلى طبيعتها. فاتخذنا عدة إجراءات تهدف إلى تطمين الحكومة السورية وكلفنا ياسر عرفات وفاروق القدومي بإجراء اتصالات مع السلطات المصرية التي كنا نعرف بالتجربة أن لها تأثيراً حاسماً على عدد من البلدان الأخرى في المنطقة.
وتلقى رئيس المخابرات المصرية الغني، صلاح نصر، مندوبينا المطلقي الصلاحية في ظروف غريبة للغاية. فقد بدأ بإصدار أوامره بحضورهم، بالهاتف، لكي تحجز لهم مقصورة فاخرة في فندق عمر الخيام الذي كان حينذاك أحد أفخم المؤسسات الفندقية في العاصمة المصرية. ثم طلب بعد ذلك إلى معاونيه أن يضعوا أنفسهم بتصرف ضيوفه، وأن يزودوهم بما يشاؤون، ثم أضاف موضحاً بما في ذلك أجمل نساء القاهرة.
كان صلاح نصر الذي سيوقفه عبد الناصر ويحاكمه غداة هزيمة يونيو ـ حزيران 1967 بتهمة الفساد والتآمر ضد أمن الدولة ـ يتصرف عامة على هذا النحو مع من يحاول أفسادهم. غير أن سلوكه صدم رفيقينا إلى أقصى الحدود. فكان أن رد عليه فاروق القدومي بجفاء فظ قائلاً: «إننا ممثلو حركة ثورية يرتبط بها مصير شعب بكامله. لذلك فإنك لن تفلح في إقامة علاقات معنا إذا كنت تسعى إلى تأسيس هذه العلاقات على طعم الحظوة والغانيات.
وتفاجأ صلاح نصر بادئ الأمر، ثم عاد فتمالك نفسه وأكد أنه لم يقصد ذلك مطلقاً. كان يريد أن يعرف فقط ومقدماً، ما هي حركتنا بالضبط وكيف تعمل، وكم تضم، وفي أية بلدان تتواجد، ومن أين نستمد مواردنا المالية وكيف نشترى أسلحتنا، وهل بالإمكان أخيراً، معرفة أسماء الأشخاص الذين يشكلون قيادة (فتح).
وذهل ياسر عرفات وفاروق القدومي، ولكنهما بطبيعة الحال رفضا الإجابة على أي سؤال من هذه الأسئلة، وبات من البديهي أنه لا طائل في مواصلة الحديث مع رجل يتصرف كبوليسي، في حين أنهما كانا يعتقدان أن باستطاعتهما التفاوض على تعاون سياسي، وعلى ذلك فإن رفيقينا عادا من القاهرة بخيبة أمل عميقة واشمئزاز غير عميق.
وبعد ذلك ببضعة أشهر، أي في تشرين الثاني/ نوفمبر أو كانون الأول/ديسمبر 1966 على ما أعتقد، قررنا القيام بمحاولة جديدة لإقامة علاقات مع النظام المصري شمس بدران (الذي سجن هو أيضاً بعد حرب 1967) أن يساعدنا على تشكيل خلايا فدائية في النقب، تكون مهمتها إنهاك الجيش الإسرائيلي في زمن السلم، وكذلك في حالة اندلاع الحرب بين مصر والدولة اليهودية، على أن نتكفل نحن من جهتنا بوضع ما بين 200 و300 فدائي في القسم الصحراوي من النقب بينما يقدم لهم المصريون دعماً لوجستياً (أي لجهة نقلهم وإيوائهم وتغذيتهم).
كان شمس بدران يصغي بصمت المتعجرف المتعاظم. ثم أعلن لنا بشيء من السخرية بأن مشروعنا «مثير للاهتمام بالتأكيد» ولكنه لا يرى كيف يسعه الاشتراك فيه دون أن يعرف مقدماً من هي (فتح) ومن هم قادتها. كانت عقلية لا تختلف بشيء عن عقلية محدثنا السابق رئيس المخابرات. وإنما اقتضى الأمر أن تحدث هزيمة الجيش المصري في حزيران 1967 وأن تجري عملية تطهير النظام التي تلت ذلك، لكي نستطيع أخيراً أن نمد جسراً بين الحركة الفلسطينية، وبين أقوى الدول العربية. ورغم ضآلة الدعم الخارجي الذي كنا نتمتع به، فإن (فتح) زادت من قتاليتها وتماسكها. فغداة عملية 31 كانون الأول/ ديسمبر 1964 زاد مناوئو الكفاح المسلح داخل القيادة أي «المتعقلون» من ضغوطهم بغرض تحييد «المغامرين» كما كانوا يصفوننا. فاستخدموا كل الوسائل للبرهنة على أن مشروعنا قد أضر بالحركة.
- فإذا جرى توقيف مناضل في الأردن.. إنا إذا لمسؤولون.
- إن اتهمتنا الصحافة بأننا عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، (السي آي اي).. إنا إذاً لم نُعِدّ الرأي العام كفاية لحرب العصابات التي شنيناها.
- أو فشلت الغارة التي قام بها فدائيونا.. إنها إذاً خطيئتنا، لأننا في رأيهم، لم نجند عسكريين محترفين..
- وأن الأنظمة العربية تحمل علينا وتشنع.. فإن في ذلك لدليلاً على أن مشروعنا سابق لأوانه.
كان الجدال في أوجه حين رمى مناوئونا بأقنعتهم وكشفوها لمناسبة اتهام ياسر عرفات وصحبه بقتل ضابطي العاصفة. فقد ارتكب «المتعقلون» خطأ التحلل من رفاقنا المسجونين. ثم إن الإفراج عن هؤلاء الأخيرين مبرئين من كل اتهام، أعلن نهاية رفاقنا هؤلاء الذين لم يلبثوا بعد ذلك بقليل أن انسحبوا من قيادة فتح التي عادت متجانسة.
ومذ ذاك الحين، بتنا قادرين على مواصلة وتطوير حرب العصابات. ومن عام 1965 حتى عشية حرب الأيام الستة، قام فدائيونا بحوالي مئتي غارة تقريباً. ولا ريب في أن معظمها جاء على نطاق متواضع بحيث أنه لم يكن يعرِّض أمن واستقرار الدولة الصهيونية للخطر، ولكن هذه العمليات ساهمت بزيادة التوتر بين إسرائيل والبلدان العربية التي كانت إسرائيل ـ ويا لسخرية القدر ـ تتهمها بتشجيع ودعم الحركة الفدائية. وفي الخامس من حزيران يونيو 1967، علمت من الإذاعة بأن إسرائيل شنت هجمة جوية صاعقة ضد مصر. كانت العطل المدرسية قد بدأت، فغادرت الكويت في اليوم ذاته إلى (لم يذكر الكاتب إلى أين سافر وانتهت جملته إلى).... وانتهت بذلك مرحلة من حياتي كمناضل ذلك أنني سأصبح منذ ذلك الحين، ما يدعى «باثوري المتفرغ» فالحرب التي بدأت لتوها، ستسجل كذلك منعطفاً رئيسياً في تاريخ الحركة الفلسطينية.

Comments are closed.