المصالحة تمت في منطقة علمات ودُقَّ ناقوس الخطر

رئيس بلدية علمات.. لا يرى بالسياحة البيئية أي فائدة دون مشاريع
المغترب مازن عوّاد: سنقوم بمشاريع مشتركة مع البلدية لحماية علمات
البيئيون المختصون دقوا ناقوس الخطر بسبب ما شاهدوه من تخريب وتدمير

تُعتبر المصالحة عنوان المسيرة البيئية في أعالي منطقة علمات، التي قام بها أعضاء الوحدات من مختلف المناطق اللبنانية في جمعية الثروة الحرجية في يوم البيئة العالمي، أو هي أولى خطوات المصالحة، بين البيئيين والبلدية، بعد إفشال مشروع بيئي رفضته البلدية، ما حثّ مسؤول وحدة علمات، الأستاذ مازن عواد، على الهجرة خارج لبنان. وخلال خطوة المصالحة تلك، سنعرض عليكم ما جاء في حديث رئيس البلدية الحالي، الرئيس السابق، مختار البلدية ومسؤول وحدة علمات في الثروة الحرجية:
بداية النهار البيئي، كان في التجمع عند كواع القرنة/مفترق بقعاتا الجُبيلية وعلمات، تحت حماية وأنظار الجيش اللبناني. الزوار حضروا صغاراً وكباراً، من مختلف القرى اللبنانية، ومع وصول الباصات التي أقلتهم، كان أن التقينا رئيسَي البلدية الحالي والسابق، وعدد من المخاتير وأعضاء البلدية، الذين ألّفوا لجنة استقبال حافلة، إلى جانب أعضاء وحدة جمعية الثروة الحرجية في علمات، وكان لنا حوارات معهم قُبَيْل المسير.


في حوارنا مع رئيس بلدية علمات محمد كامل عوّاد سألناه التالي:
• ماذا تملك منطقة علمات من جماليات تشد الزائر إليها؟
- تملك المنطقة ثروة حرجية وأثرية رائعة، لكن للأسف لغياب الحكومات المتعاقبة عن إنماء المناطق، يُضطر الأهالي لأن يقوموا بأعمال قد تخُرِّب نوعاً ما، ونحن لا نمنعهم، خوفاً من أن يتركوا أراضيهم أو يبيعونها لأناس من خارج المنطقة.
• أنا ممن يعتبرون أن رئيس البلدية هو رئيس جمهورية منطقته، لمَ لا تقومون أنتم بالعمل كمجلس بلدي، وجلب الأموال من المشاريع الداخلية، أو من بلديات شقيقة في الخارج؟
- (وجاء جوابه غريباً، ولا دخل له بالسؤال) هنا سأهاجم نوعاً ما، لأني لا أرى أي إيجابية في هذه الخطوات التي تقوم بها الجمعيات، "لحد اليوم ما شفت منها إلا الكزدورة".
• فأجبته، وأنا لولا "الكزدورة" السابعة كما تسميها، لم أكن لأسمع عن علمات!
- (أيضاً جاء رده غريباً) الآن عندما تسير تلك الجمعيات وترى مشاهد غير جميلة، لماذا لا تُحضر عشرة آلاف شجرة أرز أو من الأنواع التي تعيش في مناطقنا، فهذا العدد كفيل أن يرد المنطقة أجمل مما كانت.
• طيب ماذا عن الآثارات؟ هل رتبتموها لتظهر إلى العلن، بدل أن تبقى مدفونة وأشبه بالخراب؟
- لدينا درب أدونيس وعشتروت هنا، لكن القلعة ليست في منطقتنا.
• هل صاروا بمتناول الزيارة والإستفادة منهم؟
- "اترتبوا بالماضي وهلق بيترتبوا ما في مشكلة".
• ماذا عن المشاريع التنموية والبيئية التي قمتهم بها حتى الآن؟
- (أعاد تكرار الأعمال التي قام بها رئيس البلدية السابق، فاستدركه أحد المخاتير بأنها ليست في عهده، وتابع) قمنا بتحسين شبكة المياه وتحويلها من 2 و3 إنش إلى 4 و6 إنش.
• وطبعاً لم أناقش الرئيس بما قاله، إذ كنتُ قد زرتُ عدداً من منازل علمات، ووجدتُ معظمها لم تصلها مياه الشفة بعد. لكني سألته عن المشروع البيئي الذي رفضه وذهب إلى منطقة أخرى، فأجاب:
- وافقنا على المشروع، لكن بشرط: أن يتضمن عضواً دائماً من المجلس البلدي، ولم يقبل البيئيون بالأمر، فرفضناه.
- وقاطعه الرئيس السابق علي حسين عوّاد الذي كان قد وافق على المشروع الذي سيدر الكثير من المال والمنافع للمنطقة، قائلاً له: كنتُ قد وافقتُ عليه بنفسي، لكنك وفي عهدك رفضت تنفيذه.


• فسألتُ الرئيس: لو أن الجمعية قبلت من جديد أن يكون من بين أعضائها عضواً بلدياً، فهل توافق على المشروع، فأجاب:
- نعم. "وإذا بتلتزموا بشروط البلدية" سيكون هناك عقد بين المتعاقدين.
• ماذا عن المشاريع التي تخططون للقيام بها لاحقاً؟
- بسبب ازدياد السكان، وشح المياه، نخطط لحفر بئر في المنطقة، إذا مكننا الله، والتغطية المالية ليست موجودة من الدولة.
• هل لديكم مشاريع تدر المال لتغطية الأعمال البلدية؟
- المشي لا يدر المال، يجب أن ينشئوا مراكز سياحية ومطاعم، هل شاهدتِ مركزاً سياحياً في المنطقة؟ السائح الذي سيأتي لن يحضر "الزوادة" معه، كما لا يوجد لدينا مراكز استشفاء وطبابة ورياضة وثقافة.
• كيف سيقوم البيئيون بتلك الأمور والمطلوب منكم كبلدية تشجيع الأهالي على بنائها؟
- (وكانت إجابته:) هل بإمكان كل البلديات بدون مساعدة الدولة القيام بهكذا مشاريع؟
مع رئيس البلدية السابق وأمين سر النادي الثقافي في علمات، علي حسين عوّاد كان لنا حوارٌ أيضاً:
• ماذا تمثل مثل هذه المشاريع البيئية لمنطقة علمات؟
- مثل هذه المشاريع التي تقوم بها الجمعيات البيئية ومن بينها جمعية الثروة الحرجية AFDCتساهم بشكل كبير بتعريف الناس على منطقتنا، وبالتالي تنشيط السياحة وزيادة عدد الزوار.
• ما هي المشاريع التي قمت بها في عهدك لتحسين علمات، وعودة نازحيها؟
- كان أهمها:
1- "توسيع" الطريق العام للمنطقة وتحسين معظم شوارعها الداخلية، بعد أن عانينا كثيراً من عدم القدرة على التنقل بسبب وعورة الطرقات.
2- كذلك عانينا شحاً بالمياه على مدى سنوات طويلة، لذا قمنا بالتواصل مع الوزيرة ليلى الصلح حمادة، التي قامت بتمويل من مؤسسة الوليد بن طلال وحفر بئر ارتوازية وبناء خزانين كبيرين، يحتويان على كمية هائلة من المياه، وذلك بمؤازرة وزارة الطاقة.
3- دَعينا إلى مصالحة في القرية والجميع لبوا الدعوة وتم الصلح.
4- وكنت قد اشتريت العام (1995) 6000 متر مربع من الأرض وأقمت عليها نادياً ثقافياً، ومكتبة عامة فيها حوالى 40 ألف كتاب من عدد من دور الطباعة وأكثرها من دار الوحدة العربية، نؤرشفها كلها. كما بنينا المدرجات وشقينا طريقاً للنادي بعدة اتجاهات، وزرعناها كلها بالأشجار، ولا أخفيكي أني زرعتها بيدي. النادي هو عصب الضيعة بالنسبة لي، لذلك أهتم به كل هذا الإهتمام.


• ماذا عن المشاريع التي بقيت في جعبتك وتشجع البلدية الحالية على القيام بها؟
- حقيقة لمْ تكفِ ثلاث سنوات لإنهاء المشاريع التي كنتُ أود القيام بها، والتي أصلاً لم يوافق عليها المجلس البلدي آنذاك، إذ كان منقسماً، ومن بينها: مشروع ترميم الجسر الروماني، تحسين (العين التحتا) وترميم مكان أثري مردوم بالتراب وغيرها.
• كل هذه المشاريع هي سياحة آثار بامتياز، وهي تجلب السياح من مختلف دول العالم، لمَ لمْ يوافقوا عليها؟
- كانت حجتهم أننا لا نملك المال، لكني كنت قد طرحت فكرة للتمويل، إلا أن العناد والرفض كانا الموقف السائد لعرقلة المشاريع الإنمائية والسياحية والثقافية للمنطقة.
المختار عفيف الغداف، نبهنا إلى أن المنطقة تجتاحها المرامل، وأن المجلس البلدي الحالي يتذمر من الأمر، إلا أن الرئيس، ورغم المعارضة، يتابع بيع الرمول، وحفر المنطقة. كما علق قائلاً: ذهبنا نحن المخاتير ورئيسَي البلدية الحالي والسابق لزيارة رئيس الجمهورية منذ فترة، بسبب الحرمان الذي نعاني منه، فوجدنا أن منطقتنا ليست على الخارطة، للأسف. ما زال لدينا الكثير لنبرزه في المنطقة، من بينها الآثارات والأشجار المعمرة، إنما نحتاج لرئيس بلدية يقتنع بأن هذه الأمور هي التي تجلب النازحين من أهالي علمات، كما تزيد الزوار عبر السياحة الداخلية والخارجية.
بعد انتهاء يوم المشي في علمات، وبعد أن شاهد البيئيون نسبة التخريب فيها، دقوا ناقوس الخطر، إذ تبتلع المرامل مساحة كبيرة من الغابات. ولهذا الحدث الجلل كان لا بد لنا من حوار مع الناشط البيئي المُنظم لهذا النهار، المغترب الأستاذ مازن عوّاد، عبر اتصال أجريناه معه في بلاد الإغتراب. ويُذكر أن عوّاد ناشط بيئي تميز منذ أكثر من 15 سنة، بنشاط منقطع النظير، وهو الذي خسِرَته جمعية الثروة الحرجية وكل الجمعيات البيئية التي كان يتوئم عمله معها، إلى جانب منطقته ووطنه ككل، وقد أجاب على أسئلتنا بالتالي:


• كيف تم تنظيم المسيرة البيئية لهذا اليوم، وأنت مغترب؟
- كنت أتألم طيلة سنوات الغربة على ما يحصل في علمات، ولم يكن باستطاعتي فعل شيء، أما الآن، وبعد أن رأيت الشبّان والشابات يريدون حماية المنطقة، وبداخلهم قهر على أرضهم، وشجاعة على البدء معي من جديد، تحمست للعودة إلى العمل البيئي في منطقتي.
كذلك رأيت إيجابية في التعاطي معنا من قبل رئيس البلدية، وهذا لم يحصل في السابق، فاعتبرتها فرصة مناسبة للعودة، وأقدمت على الخطوة دون تردد.
لذا تم التنسيق مع جمعية الثروة الحرجية الأم AFDC، والبلدية، وفاعليات المنطقة، وأهلها وخصوصاً الشبان والشابات المتحمسين للعمل البيئي، وخرج الجميع في مسيرة بيئية تضم العشرات من مختلف المناطق اللبنانية، وبينهم خبراء بيئيون، وكل ذلك عبر الهاتف.


• ما كان الهدف من تلك المسيرة في جرود علمات؟
- كانت إعلان عن عودة العمل البيئي، وهي خطوة أولى، لدراسة المنطقة والأخطار التي تدمر ثرواتها. سأصارحك بأمر: لقد تم تعليق الوحدة البيئية في علمات مدة خمس سنوات بسبب تجاذبات ومشاكل مع رئيس البلدية وبعض الأعضاء، وذلك بخصوص الأعمال التي تهدد البيئة، خصوصاً وأن علمات تُعد من أكبر المساحات الخضراء في لبنان وهي بنسبة 2% من مساحة الوطن. الآن وعندما لمستُ إيجابية من رئيس البلدية، أحاول فتح صفحة جديدة معه، أيضاً أعتبرها بداية لخطوة جديدة لأولى الخطوات في إنماء المنطقة، مع كل هذا الحماس في العنصر الشبابي الجديد للعمل، ومع كل خوفهم على قريتهم.
• لماذا لجؤا إليك بالذات؟
- لأني أول من بدأ بالمشاريع البيئية في المنطقة، وأول من وقف بوجه الخاطئين، وبوجه كل الأعمال التي تتوسع بطريقة غير مدروسة، وتدمر الحجر والشجر وتجعل أصحاب الأرض يتركونها.
• ما هي أهداف العمل البيئي الذي تعِدون به الأهالي؟
هذه المسيرة لها أهداف كثيرة، وكله بعد أن تلقينا وعداً بتنظيم كل التشوهات الحاصلة في المنطقة، على أن لا يمس أحد منا بمصالح الناس.
1. أولها كان فتح صفحة جديدة مع رئيس البلدية.
2. إستدراج مشاريع تفيد الناس، بطرق غير مضرة بالبيئة، لإيجاد فرص عمل، خصوصاً وأن معظم أهالي علمات صاروا من النازحين.
3. حماية المتاحف الصخرية عند رأس الجرد قبل أن يصله التشويه.
4. ترتيب مزارات بهدف السياحة لبعض الأماكن الأثرية وحمايتها.
5. متابعة زراعة الأرز، فنحن كنا قد بدنا بتشجير (درب الأرز) في جرود علمات، وها هي تلك الشجرات تعيش وتستمر، ما يعني أن مشروع درب الأرز نجح، وعلينا متابعته.
6. تشجير الأماكن التي ابتلعتها المرامل، وقد جرت العادة أن يتركها أصحابها مشوهة رغم أنهم قد استفادوا منها بالملايين "بيعتبروها خسارة أن يزرعوا فيها كام شجرة".
7. كذلك استصلاح الأراضي التي تم تدميرها عشوائياً.
8. تفعيل السياحة البيئية والأثرية في المنطقة إن كانت سياحة داخلية أو خارجية وغيرها من الأهداف.


• إذاً وصلتك صوَر عن تخريب وحفر عشوائي غير مفهوم في علمات، وليس فقط المرامل؟
- بالطبع وصلتني الصور، وهذا يحض على الإتفاق مع البلدية لردع هذا التشويه، إذ أرى أنه لن يبقى شيء من هذه المنطقة إن استمر العمل على هذا المنوال. أعتبر المنطقة في خطر مدقع، خصوصاً وهي مصنفة من أجمل المناطق البيئية، إلى جانب التنوع البيولوجي فيها.
• قال ر ئيس البلدية أن ما فعلتموه اليوم "كزدورة".
- هي ليست كزدورة، وقد كان معنا خبراء بيئيون لوضع خطوات لتعريف الناس والمختصين على المشاريع التي سنطلقها لاحقاً، بعد الإجرام البيئي الحاصل في المنطقة. فنحن سنقوم معهم بورشة عمل مع البلدية لتبادل الآراء ووضع خطة عمل مدروسة لحماية المنطقة من التشويه وتشجيع الإستثمار المفيد فيها، ومتابعة كل الأهداف البيئية التي ذكرناها سابقاً. إلى ذلك نحضر للكثير مما يجب أن ندرسه مع البلدية لوقف التدمير، إذ إن الوقت يمر، ولا نريد الوصول لمرحلة الندم واللا عودة.
• إشراك عضو بلدي في كل مشروع بيئي تقومون به، هو الشرط الأساس لرئيس البلدية للموافقة على مشاريع حماية البيئة في علمات، وإلا فالرفض القاطع، هل ستقبلون؟
- بالطبع نقبل. فائدة علمات فوق كل شيء.
سهير قرحاني

Comments are closed.