ملحم رياشي.. “إنتَ مين”؟

لفتتني إطلالته العادية، مذ ذاك الحين، حين رأيته عبر الشاشة للمرة الأولى، ضمن سلبية مفرطة.. لم يُعجبني أسلوبه المتباين عن الأناقة السياسية المعروفة، من البذلة الرسمية حتى قصة الشعر "واللوك كلو على بعضو". هو ملحم رياشي وزير الإعلام اللبناني إذاً.. لكن لمَ يُطلُّ على مواطنيه بهذه الهيبة العادية غير المُتكلفة؟ وزارة الإعلام تعني الإدلاء ببيانات المجلس والكثير من التصاريح، أي الظهور الإعلامي المكثف، وعليه، اعتدنا أن تكون إطلالة وزير الإعلام أكثر أناقة، فمن هو هذا الملحم؟ أمن المعقول أن نجد في لبنان وزيراً فقيراً؟ "ولو.. ليه خلصوا الإقطاعيين بهالبلد والعياذ بالله"؟ أم هي ثقة كبيرة بالنفس يعتد بها وزير إعلام لبنان الحالي؟
أسئلة اختلطت في رأسي شاغلة تفكيري لفترة، كنتُ معها أراه وأسمع لقاءاته المرتجلة، وأراقب إطلالاته عبر الشاشة الصغيرة، خلال نشرات الأخبار، وخلال الإعتداء على الزملاء في قناة الجديد.
فقط يوم أمس رأيته جهارة، وكعادتي لم أبد اهتماماً للأمر، إذ لا أحب السياسيين البتة. لكن ما أثار تفكيري: "ولو مرة ثانية لملحم رياشي".. هل حقاً يتجوّل دون حرَّاس وخدم وحشم في الشارع متجهاً نحو سيارته؟ أؤكد لنفسي بأنه هو، إذ بدا خارجاً من الجامعة، وكأنه كان في اجتماع ما، لكن بذلته كانت أكثر أناقة.
وفي اليوم التالي صباحاً وصلتني رسالة إخبارية من "المستقبل" (وأكيد مش عاملة follow للمستقبل بعد برودة برامجه منذ وفاة الشهيد رفيق الحريري بل هذه نشرات من كل الوسائل اللبنانية)، والرسالة تفيد أن رياشي موضوع تساؤلاتي، هو من كان خارجاً من جامعة القديس يوسف، وكان راعياً لحفل تكريم الإعلامي الراحل جان كلود بولس، وهو نفسه كان دون حراسة المجلس.
فلنبحث سوياً عن سر ثقته بنفسه، قبل أن أسأله بنفسي، علّنا نجد جواباً سوياً، وإلى صديقنا غوغل وصديقته ويكيبيديا:
1- آهٍ من هذا الرجل، فالسؤال أخذنا إلى ملفه في صفحة القوات اللبنانية، يعني أنه حزبي، ولا أحب الأحزاب. طيب، فلنتابع.
2- ملحم أنطون الرّياشي (..) كاتب وصحافي، باحث في شؤون الشرق الأوسط والدين المقارن وله دراسات في هذا المجال.
3- إستشاري في الشؤون السياسية والتفاوض الاستراتيجي، وأستاذ محاضر في مادة "جيوستراتيجيا التواصل" في جامعة الروح القدس في الكسليك.
4- يشغل منذ شباط 2012 منصب رئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية.
5- له مؤلفات عدة أبرزها: قادة ونكبة (1994)، يهوذا الإسخريوطي الخائن البار (بلغاتٍ ثلاث) (1995)، مزمور السجين (1997)، عبور (1998)، إنتخابات 2000 العلامة الفارقة (2000)، البئر (2003)، حارس القبر (2007) وكتاب العتب (2016)
الخلاصة أننا اكتشفنا حقاً ما سر ثقة هذا الرجل بنفسه، إنه مثقف، وله خلفية علمية كبيرة، كما إنه إعلامي سابق. ولكن.. هل هو متواضع كما يظهر عبر شاشاتنا؟ هل يقيناً هو إنسانيٌّ متعاطف مع مشاكل الزملاء وسيجد حلولاً للقضاء على الاعتداء على الصحافة والإعلام ككل؟ طيب ما دخل كل ذلك بقصة شعره ولحيته؟ ولماذا لا يستخدم البوتوكس حول عينيه وما إلى ذلك؟ لماذا يتصرف كإنسان عادي لا يهمه رأي الناس به كوزير، رغم أن زملاءه في المجلس لهم في البذخ والتجميل والأناقة الـ signéeصولات وجولات؟
علّ الأيام تجيبنا، إن كانت تصرفاته تواضعاً، أم تمثيلية، أم أن الإعلام ينشر تصرفاته الطبيعية ويُخفي علينا التكبر والتجبر وسؤ الأخلاق. الآتي قريب وكلي أمل أن يكون في مجلس الوزراء الحالي في بلدي وزيرٌ متواضع، حسن الخلق والتصرف، كفيف اللسان، عاقل العقل والقلب، خفيف الحس، أنيق الكلام، لم يعبث بالدم يوماً في حياته، ولم يتاجر بأرواح البشر عبر الدواء والغذاء وما إلى ذلك.
تحية لكم أبناء لبناني الحبيب، ولكَ أيها الوزير ملحم رياشي.. ومع تلك التحية أحمل لكم التمنيات بخلاص الوطن من الإقطاع والحرب النفسية والسياسية والأمنية والإقتصادية والصحية المتأزمة، علّ معظمكم بعدها يعود إلى الثقافة وهي أهم من العلم، فتعود الثقة لنا كباقي دول العالم المتحضر.
سهير قرحاني
ملاحظة: بعد أن أنهيتُ كتابة كلماتي هذه، بدأت بمشاهدة حفل الموركس دور لهذا العام، وإذا باسم ملحم رياشي من بين الضيوف الذين سيسلمون الجائزة لنجمنا وائل كفوري، ونادى عليه المُضيف عدة مرات ولم يعتلي المسرح لتسليم الكفوري الجائزة، ثم أردف المقدم معتذراً عن تأخر رياشي في "عجقة سير. ولو.. كمان مرة".. أنت تعرف لبنان وطريق الكازينو جيداً، تلك التي تحتاج على مقلبها الجنوبي كل بضعة كيلومترات إلى ساعة وأكثر للوصول إلى الكازينو، فكيف إن كنت آتياً من سماء تواضعك.. "ما بينت حلوة منك"، رغم اعتذارك بعيد وصولك، فالمشكلة ليست أنك لم تكن تعرف أنك ستسلم الجائزة للكفوري، بل في وصولك متأخر. وسأذكر أني رأيتك خجولاً خلال كلامك عن النجم رامي عيّاش الذي سلّمته جازته.