كلمة أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله لمناسبة مراسم تأبين قائد الحشد الشعبي في العراق قاسم سليماني

5/1/2020
كلمة أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله
لمناسبة مراسم تأبين قائد الحشد الشعبي في العراق قاسم سليماني
الذي قتل بتاريخ 2/1/2020 وبصواريخ أميركية عدة استهدفت السيارة التي أقلته من المطار بعد عودته من سوريا إلى جانب أبو مهدي المهندس ورقافهما

أبرز ما جاء فيها:
- نبذة عن حياة سليماني وشوقه للحاق بركب الشهداء ولقاء خالقه، ومباركة له بشهادته وشهادة أبو مهدي المهندس ورفاقهما.
- شرح طريقة استهدافهم، وذلك بعد خروجهم من مطار بغداد، حيث كان وفد في الاستقبال. وتلا صعودهم في السيارات، تعرضها كلها للقصف بصواريخ مباشرة وكثيفة من الجو، بشكل وحشي يضمن تدمير السيارات وكل من فيها.
- إستشهاد القائدين وكل من كان معهما، وتحولهم إلى أشلاء محترقة ممزقة يصعب تمييزها.
- بعد ساعات، تصدر وزارة الدفاع الأميركية تبنٍ للعملية، وتقول بأنها كانت بأمر من الرئيس ترامپ، تتوالى بعدها بيانات التبني الأميركية من وزير الخارجية ووزير الدفاع وصولاً إلى ترامپ الذي فاخر بأنه مَن أمر بقتل سليماني.
- وقال نصر الله: نحن أمام جريمة علنية، واضحٌ من أعطى الأمر فيها وقد اعترف وهو ترامپ، ومن نفذ اعترف، وهما وزارة الدفاع والجيش الأميركي، على يد قوة من الجيش الأميركي. بالتالي نحن لسنا أمام عملية اغتيال مبهمة. نحن أمام جريمة واضحة صارخة.

لماذا الإقدام على هذه الجريمة بطريقةٍ علنية؟
لأمرين،
الأول: فشل كل المحاولات السابقة التي قاموا بها ( دون بصمة أو دليل) لاغتيال سليماني.
بعض المحاولات عرِف أنها بأيد أميركية، وبعضها لم يعرف. آخرها كان اعتقال مجموعة مع متفجراتها، حيث كانوا يحضّرون لشراء بيت قرب الحسينية، وحفر خندق، ووضع كمية كبيرة من المتفجرات فيه تحت الحسينية، لقتل سليماني، إذ كانت عادته أن يحضر مجالس العزاء هناك، ويكون في المكان حوالى خمسة آلاف شخص. عقل إجرامي، إذ يريدون قتل كل هؤلاء الناس، فقط لقتل رجل واحد.
الثاني: وبعد فشل كل المحاولات بدون بصمة، جاؤوا إلى العمل العلني المكشوف، والسبب ما يحصل في منطقتنا، إلى ذلك تطورات العراق وانتخابات الرئاسة الأميركية.

استعراض المشهد، وهو يحدد أهداف الإغتيال وهو ليبنى عليه
- بعد ثلاث سنوات من رئاسة ترامپ لأميركا.. وعندما نظر هو وفريقه إلى عهده، تبين أنه مليئ بالفشل والعجز والارتباك في السياسة الخارجية، وهذا ما يراه ناخبوه الآن قبيل الانتخابات الرئاسية.
- ترامپ كان هدفه الأعلى إسقاط النظام الإسلامي في إيران، ولم يحققه، بل وصل إلى مرحلة توسيط بعض الرؤساء الأوروبيين للقاء رئيس إيران وإيران ترفض.
- ترامپ كل سياسته الضغط على إيران للجوء إليه وستنتهي مدته في الرئاسة ولم تأتِ إليه إيران.
- فشلٌ وارتباك واضح في سوريا، وآخرها خيانته لحلفائه من الجماعات الكردية إلى شرق العراق، وارتباكه بأفعاله، فهو حيناً يريد أن يسحب قواته وحيناً آخر يريد إبقاءها، وها هو ينتهي بإبقاء جزء من قواته لحماية حقول النفط السورية لسرقتها. وقال أن بقاء قواته في سوريا بطلب من الإسرائيليين.
- فشلٌ في لبنان رغم كل الضغط والعقوبات والتحريض لتشويه صورة المقاومة. والكل يتذكر غزوة بومبيو والبيان الحربي الذي أعلنه من السفارة في لبنان. وساترفيلد في آخر زيارة له هدد المسؤولين اللبنانيين، إن لم يزيلوا منشآت حزب الله. كما وضع لبنان تحت العقوبات ولم تجد نفعاً، ولم تجرؤ إسرائيل على قصف المنشآت بسبب تهديد المقاومة بالرد.
- في لبنان، كل المحاولات لتحجيم المقاومة لم تجدِ نفعاً.
- في اليمن، عجز عن تحقيق فوزٍ عسكري سوى المجازر والحصار..
- في أفغانستان ما يزال يبحث عن صيغة للخروج والحفاظ على ماء الوجه بسبب المأزق مع طالبان.
- فشل صفقة القرن التي أراد تحقيقها من العام الأول لعهده، رغم كل شيئ، ورغم التعرض للفلسطينيين بكل الأساليب.
- نفط سوريا لا يقاس بنفط العراق، لكنه طامع به تحت عنوان (الحرب على داعش) وهنا كانت مشكلته مع الحشد الشعبي وسليماني.
- فنزويلا وفشل مشروع إسقاط الرئيس.
- كوبا فشل فيها.
- كوريا الشمالية وفشله رغم تهديده لهم، إلا أنه ذهب للمفاوضات وخدع شعبه بنزع قوة النووي.
- الصين والدول العربية يهينهم فقط وقد فشل بكل شيئ.
- في العراق، مشروع ترامپ الحقيقي (وبما أنه مستكبر ولا يعترف بالمؤسسات والمجتمع الدولي) واضح، وكان يقول في حملته الانتخابية: "نفط العراق هو لنا للتعويض عن كل ما صرفناه هناك".
هو الذي يقول: "ليس من دولة في العراق، لذا نعمل هناك مراكز كبيرة لنا، نأخذ النفط ونبيعه للعالم". هو لا يريد دولة في العراق كي لا تمنعه من تحقيق ما يريده. وإن كان هناك دولة، فيجب أن تكون خاضعة كلياً. هو نفسه يقول: "إن هيلاري كلينتن وأوباما هما من صنعا داعش، كي يكون لديهم سبباً للبقاء في العراق للسيطرة على آبار النفط.
لكن ما واجهه في العراق هو الفشل، أوله فشل داعش في تحقيق هدفهم، حيث أنهى الحشد الشعبي المعركة مع داعش بحسمها. وهنا كان دور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وبدعم من الشعب العراقي، ودعم وتأييد كلي من المرجعية الدينية، حيث أنهوا داعش خلال سنوات قليلة.

المشكلة الحالية،
أولاً: أنه وبعد انتهاء داعش وفضيحة ما حصل، بدأت الأصوات العراقية تطالب بخروج الإميركان من هناك.
ثانياً: وبعد انتهاء داعش، حصلت الانتخابات في العراق، والاتجاه السياسي الذي انتصر هو الذي لا يخضع للأميركيين. المجلس النيابي معظمه من الشعب الحر، وتشكلت منه حكومة أزعجت السياسات الأميركية لأن، الحكومة وعلى رأسها عادل عبد المهدي، رفضت أن تكون ورقة ضغط على إيران، ورفضت تأييد صفقة القرن. ولأن تلك الحكومة ذهبت إلى الصين للتفاوض على مشاريع لبناء العراق، لقاء النفط دون أي كلفة (النفط الذي تريده أميركا لنفسها). كما رفضت الحكومة الإبقاء على الحدود مقفلة مع سوريا، وغيرها من الأمور.
هنا، شعر الأميركيون أنهم سيخسرون العراق. وهم من احتلوا العراق وأسقطوا صدام حسين بسبب النفط.
نذكر أنه عندما أراد الشعب العراقي أن يتحرر، أطلقوا عليه من يفجرون أنفسهم بالآلاف من العراقيين لسنوات، وكان ضباط الاحتلال الأميركي هم من كانوا خلف ذلك.
الأميركيون في الفترة الأخيرة، حاولوا خلق فتنة بين الشعب العراقي وخلق حرب أهلية، لكن العشائر العراقية وفصائل المقاومة والحكومة فهموا وأفشلوا الأمر. هم أرادوا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الفتنة، حيث تصرفوا بهلع عند شعروهم بضياع النفط العراقي من إيديهم، وكل ذلك قبل قتل سليماني.
ترامپ وأمام الفشل والعجز في المنطقة، في حين أنه ذاهب للانتخابات الرئاسية، يظل يذكر إنجازاته، رغم أنه لا يملك سوى ثلاث إنجازات. 1- الـ400 مليار دولار التي أخذها من السعودية، ويتحدث بسخرية وإهانة كلما ذكرها. 2- صفقات بيع السلاح للدول العربية بعشرات مليارات الدولارات، ويقول لشعبه: بسبب ذلك أؤمن لكم مئات الوظائف. 3- قرار نقل السفارة الإميركية إلى القدس، بكل ما لهذا القرار من اعتداء على الفلسطينين.
أمام هذا الفشل، صار ترامپ وإدارته أمام تحدٍ وهو خسارة العراق ونفطه.

هم بدأوا حرباً جديدة في المنطقة بقتل سليماني.
ترامپ يدرك تماماً أن الحرب مع إيران مخاطرة كبيرة جداً، لذا بحثوا عما دون الحرب. فوجدوا نقطة مركزية.
قلتُ له، وخلال زيارة للجنرال سليماني لي في لبنان، ذكرَتُ أن الصحف الأميركية تتحدث عنه كثيراً، وهو تحضير لاغتياله، فتمنى ذلك.
إذاً، كانت الدراسة الأميركية على محور المقاومة، فوجدوا أن هناك إسم واحد، يدعم القضية الفلسطينية معنوياً وتدريبياً. والمقاومة في لبنان وتعاظمها وجدوا خلفها سليماني. سوريا راهنوا فيها على التكفيريين فوجدوا سليماني إلى جانب الرئاسة والشعب. في العراق وجدوه، بعد أن راهنوا على تمزيق العراقيين، وجدوا أنه هو من يجمعهم ويوحدهم. وقد وجدوا سليماني في اليمن وفي أفغانستان.
الإسرائيلييون اعتبروه تهديداً على بقائهم ولم يجرؤوا على قتله، فلجأوا إلى الأميركيين.
إذاً النقطة المركزية للترابط والوحدة لدول المقاومة عالمياً، هو قاسم سليماني. لذا رأوا أنهم يجب أن يقتلوه علناً، وهذا له أهداف معنوية وعسكرية عند الأميركيين.

ليُبنى عليه،
هم يأملون من خلال هذا الاستهداف أن يحصل ضعف في قوى المقاومة في العراق، وتقل الصلة فيما بين المقاومين عالمياً.
وأما الرد، فيجب أن يكون ضد مشروع الهيمنة على مقدساتنا في فلسطين ونفط الدول العربية حتى نفط سوريا ونفط لبنان "اللي بعد ما طلع". فخيراتنا ومقدساتنا يجب أن تكون لشعوبنا.
والناس الآن تائهة مع أو ضد هذان المشروعان الأساس. إما مع الحفاظ على خيراتنا ومقدساتنا، وإما الوقوف مع هيمنة الأميركيين لها.
لذا حادثة 2 كانون الثاني، الجريمة، أمِل ترامپ من خلال القتل، أن يقول للإيرانيين: أحد أكبر جنرالاتكم قتلته علناً. وذلك لإرهاب إيران وإخضاعها، لكن الرد الإيراني بدأ بالقول أنهم لن يتراجعوا أو يستسلموا، بل انتقلوا إلى خطوات هجومية وسينتقمون.

إذاً خضوع إيران وهو الهدف الأول لهذا الاغتيال قد سقط.
الهدف الثاني، العراق، وهو راهنَ أن يتضعضع الحشد الشعبي الوطني المقاوم في العراق، فيذهب العراق إلى محنة داخلية، يليه إرهاب المسؤولين العراقيين. لكن ورغم محاولة فتح الأحقاد كلها بين العراقيين والإيرانيين، والفتنة فيما بينهما. إلا أن النتيجة كانت تشييع الشهداء العراقيين والإيرانيين في العراق بشكل كبير، فخسرت أميركا الهدف الثاني في الفتنة ما بين الإيرانيين والعراقيين، وانقلب السحر على الساحر. أنا أخاطب مجلس النواب العراقي ورئيسه بتقديم مذكرة للانسحاب من الاتفاقية العراقية الأميركية،لإصدار قانون يطالب بإخراج القوات الأميركية من العراق.
أنا أقول لكم بما أعرفه عن العراقيين الشرفاء، أنهم لن يبقوا جندياً أميركياً في العراق.
أيها الشعب العراقي الشريف الأبي الكريم العزيز إن القدر المتيقن، وأضعف الإيمان في الرد على قتلهم هو إخراج القوات الأميركة من العراق وتحرير العراق من الاحتلال الجديد.
هنا سيكتشف الأميركيون أنهم قتلوا لكي لا يخسروا العراق فخسروه، وهذا لن يتحقق إلا بإرادة الشعب العراقي والمقاومين في العراق. فهو من حرر العراق من الإرهاب، ويجب أن يؤدي دمه ودم زملائه إلى تحرير العراق من الأميركي. وهو أضعف الإيمان للرد.
سوريا يجب أن تواصل المسير بصلابة باتجاه التحرير الكامل، ولا يجب أن يخاف أحد من الاستشهاد العظيم، فهذا يحصل دائماً.
في اليمن يجب أن يمضوا بنفس الثقة التي كانوا يقاتلون بها.
أما نحن في المقاومة، فواحد من أهداف ترامپ ترهيبنا جميعاً. ورد المقاومة بقياداتها، أنها ستبقى متمسكة بأهدافها ولن تتراجع ولن تضعف. وعلى المستوى المعنوي، فالاستشهاد سيقوينا، لأننا نشعر أننا على مفترق كبير في المنطقة. هذه الحادثة أرتنا مستوى الفشل الإميركي. ونحن لن ننهزم بسقوط شهيد قائد من المقاومة، بل سنحمل دمه لمواصلة المسيرة والربح.
على عاتق قوى المقاومة أن تتعاون لتعظيم الجهد، لأن المنطقة يبدو أنها ذاهبة إلى وضع مختلف. وشهادة القائد لا يجب أن تضعفنا، بل تقوينا لاستكمال البرنامج الذي كان يقوده. كذلك بالنسبة للعراق.

لهؤلاء الذين يهددونا نقول لهم بأن الرد سيكون القصاص العادل.
يعني أن مرتكب هذه الجريمة واضح، ويجب أن يتعرض للقصاص.
أما قاسم سليماني فليس شأناً إيرانياً بحتاً، بل يعني كل قوى المقاومة. ويعني فلسطين، لبنان، اليمن، العراق، إيران وأفغانستان.
بالنسبة للرد الإيراني، فشأن إيران أن ترد، هي حرة، لكن هذا لا يعفي المقاومة من الرد. وأقول لإخواني: إيران لن تطلب منكم شيئاً. لن تقول إفعلوا أو لا تفعلوا، أما محور المقاومة فعليه أن يقرر كيف سيتصرف بالرد على القتل.
إيران التي دعمت الجميع لن تطلب شيئاً، وهي اليوم في عزاء لأنها فقدت أعظم قادتها.

يبقى أنتم، كيف تتصرفون، فهل يكفي التأبين؟
المسألة هي التحضير لمرحلة كاملة لأميركا والإسرائليين، لذا يجب على امتداد أمتنا القيام بالقصاص العادل.
سأكون شفافاً. فليس من شخصية بمنزلة الشهيدين لنرد عليها.
لذا القصاص العادل هو ما يلي: الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. قواعد أميركية عسكرية. البوارج العسكرية الأميركية. كل ضابط وجندي أميركي في بلداننا وعلى أراضينا.
الجيش قتله، وسيدفع الجيش الثمن. هذه هي المعادلة، وهذا هو القصاص العادل.
عندما نطرح هذا، لا يعني أننا نعني الشعب الأميركي، ولا المواطنين الأميركيين من شعبٍ وتجارٍ وصحافيين وشركات وأطباء. ولا ينبغي المس بهؤلاء، بل إن المسّ بهم يخدم سياسة ترامپ.
"البعض سيقولون: السيد كبّر الموضوع". لا بل هذا هو حجمه الطبيعي. لن نقبل أن تستباح دماؤنا وبلادنا ومقدراتنا وشعوبنا ومقدساتنا.
إذا ذهبت قوى المقاومة بهذا الاتجاه، فسيخرجون من مناطقنا مرعوبين كما خرجوا في السابق.
الذين أخرجوا الأميركان في السابق، ما زالوا موجودين وأقوى مما كانوا. في السابق كانوا قلة قليلة مستضعفة واليوم هي شعوب وقوى وجيوش تملك قوة كاملة.
"إذا مش مطلوب أعمال بلا طعمة"،
يجب أن يكون هدفنا في محور المقاومة الرد على مقتل الشهداء بإخراجهم من كل منطقتنا.
سيتحقق هذا الهدف إن شاء الله، وسيصبح تحرير القدس والشعب الفلسطيني ومقدراتهم على مرمى حجر.
سيرحلون وقد لا نحتاج لمعركة مع إسرائيل.
ختاماً ترامپ والذين معه يبدو أنهم لا يعرفون ماذا فعلوا. "يا ترامپ ويا أميركيين": أيُّ دمٍ لنا سفكتم وأي كبد لنا فريتم.. فهذا ليس كأي دم وكأي كبد.
اليوم.. القصاص العادل هو من أجل مغنية والموسوي وحرب وبدر الدين والمهندس ومن أجل كل شهداء هذه الأمة.
أنا فرحت للحاج قاسم لاستشهاده، فهو منذ شبابه عاش جهاداً وتعباً وآن له أن يرتاح. لسنا منفعلين بل نقول أن هذا الدم الزاكي العظيم فرصة للأمة للتخلص من الإحتلال وستكون الانتصارات حاسمة.
أيها المقاومون يا أطهر الناس، سنواصل الطريق ولن تضيع دماء الشهداء وستنتصر المقاومة بإذن الله.

سهير القرحاني.. بتصرف

Comments are closed.