تقاعس فاضح لموظفي صندوق التعويضات تجاه معلمي المدارس العلمانية.. وعالإفادات

بلد الحَرفِ والحِرَف، يرزح تحت سرقة حقوق المعلم، فهل يكون الحل بالإفادات المدرسية
الإفادة بإنهاء المرحلة التعليمية المدرسية، لن تفيد حاملها، إلا في حال دخل الجامعة اللبنانية لإتمام دراسته فيها
لطالما كان رأي الإداريين والمسؤولين هو النافذ، وكل الرؤى من مناظيرهم الخاصة، لكننا اليوم، سنرى بعين الأستاذ الذي اغتُصبت حقوقه لسنوات طويلة، وخوفه من خسارة الوظيفة، في بلد الحرمان، جعله يعض على جراحه، ويتحمل سرقة المدرسة لأمواله، لكن إلى متى؟ ومن هم هؤلاء؟ وما أسباب تمنُّعِهم عن دفع مستحقات موظفيهم؟ مع الأستاذة أ. ز. كانت الإجابات والطروحات لحلول بمتناول اليد:
- نحن مقبلون على الامتحانات النهائية للعام الدراسي 2016/2017، ولم ينل المعلمون حقوقهم، خصوصاً في عدد كبير من المدارس الخاصة. هل نحن مقبلون على حلول أو على اعتصامات وتأجيل؟
• لا أعتقد أنهم يفكرون بالحل، فما من أحد يأتي على ذكر تحصيل سلسلة الرتب والرواتب، بل كل تركيزهم منصبٌّ على الإنتخابات النيابية. لذا أظن أننا ذاهبون نحو الإفادات.
- هكذا، دفعة واحدة!
• نعم، والصدفة الغريبة، أن من نالوا إفادات في شهادة البريڤي، سينالونها أيضاً في الفلسفة. المشكلة أن هؤلاء التلاميذ لم يحصلوا على شهادة رسمية، لذا لن يكون معترف بها في أي دولة في العالم. حالياً الإفادة بإنهاء المرحلة التعليمية المدرسية، لن تفيد حاملها، إلا في حال دخل الجامعة اللبنانية لإتمام دراسته فيها، هكذا فقط تُحل قصة الإفادات غير الرسمية في وقتنا الحالي.
- المعلمون في المدارس الحكومية تم تصحيح رواتبهم منذ فترة. ماذا عن الخاصة؟
• هناك قسمان من المؤسسات التعليمية، منها المدارس الحكومية، وهم نالوا بعضاً من حقوقهم، وليس من قرار إلا يكون نافذاً لديهم، والقسم الثاني هي المدارس الخاصة العلمانية، والبعض منها "مديرسات"، حيث المعلمون والمعلمات فيها مغتصبة حقوقهم، والحل عندهم: "بيعجبك أهلا وسهلا، وما بيعجبك فلي، هذا عدا عن الطرد التعسفي الذي لا يوجد قانون يحمي المعلم منه حتى الآن، "يعني إذا طلع على بالو المدير يطردك، ما حدا بيحاسبو"، ومعظمهم لا يعترفون بأي حق لذلك المعلم.
- هل يعتبرونها مرحلة تجربة، لنحو سنة أو سنتين ومن ثم يطردونه؟
• لا، حتى وإن كان المعلم في وظيفته منذ عشرين سنة، يحق للإدارة أن تطرده تعسفاً دونما أي مبرر أو إنذار. هذا ما يجب أن تسعى إلى حله نقابة المعلمين لأهميته، بموازاة تحقيق سلسلة الرتب والرواتب.
- ماذا عن المدارس الدينية الخاصة؟
• في المدارس الكاثوليكية يعطون المعلم حقه، لكن المشكلة أنه كلما جاء "ريّس" يأتي بحاشيته، ويطرد السابقين.. "ما في ضمان لحقوق المعلم".
- كم لكِ في مجال التعليم الخاص؟
• 27 عاماً، وراتبي 1300.000 وهو أقل من راتب موظف دولة في شهره الأول، ولا آخذ بدل مواصلات، وكلما سألت المدير يقول لي: "بيعجبك أهلا وسهلا، ما بيعجبك الله معك". عندما بدأت التعليم، بدأت قريبتي في نفس الوقت لكن في مدرسة أخرى، وهي مدرسة "الحكمة"، الآن راتبها نحو مليوني ليرة، وأنا مكانك سر.
- أليس باستطاعتك الادعاء عليه؟
• ذهبتُ إلى نقابة المعلمين، فقالوا لي قومي بدعوى ضده. فأجبتهم بأنه سيطردني وسأخسر وظيفتي، فقالوا أنهم سيوكلون محامٍ لي، لكني أنا من سيدفع له، ولا أملك كل ذلك المال، وإلا لما فكرت بالأمر نهائياً، وكل ذلك ليحصِّلوا لي 2000 أو 3000 دولار؟ كلها لن تكفي المحامي بدل أتعابه. نحن نريد قانوناً يحمينا وخصوصاً أستاذ المدارس الخاصة. في المدارس الحكومية قبضوا 200 ألف ليرة غلاء معيشة منذ العام 2010، كذلك عمال النظافة في مدرستنا، إلا نحن. الدرجات التي أوصت بها الدولة أيضاً حصلوا عليها ونحن لا. ذهبنا إلى صندوق التعويضات، وسألنا من يطالب بحقوقنا، فأجابونا: "نحنا ما فينا نزعِّل المدير لأنو عم يدفع"، إذهبوا إليه وتوصَّلوا معه إلى حل، وإن لم يعجبكم الأمر، قدموا استقالاتكم. هكذا أجابونا في صندوق التعويضات. حتى عندما سألناهم عن رواتبنا لم يجيبونا. بل طلبوا أن نذهب إلى مديرنا، وعندما سألناه أجاب: إذهبوا إلى صندوق التعويضات، وكأنهم عصابة. كيف سأعرف حقيقة راتبي إن لم يكن المرجع القانوني هو من يعطيني إياه؟ حتى أننا ذهبنا إلى نقابة المعلمين وقالوا إنهم لا يعرفون شيئاً. ثم قال لي أحدهم: "معليش، كلها كام سنة وبتاخدي تعويضك، ورح ينجبر يدفعلك".
- كيف ذلك وستكونين قد حُرمتي من باقي راتبك مدة أحد عشر شهراً عن كل سنة طيلة 27 عاماً؟
تماماً، هو سيدفع فقط التعويض عن شهر واحد لكل سنة، ويكون حقي ضاع عن السنوات الطويلة التي ضاعت هي أيضاً من عمري.
- ربما حقاً لا يعرفون قيمة راتبك!
• لا، هم يعرفون، "بس ما إلن جلد يقوموا بواظائفن ويفوتوا على ملفك حتى يعرفوا شو فيه". فهو يتضمن تاريخ بداية العمل، ودرجاتك، وحجم راتبك وكيفية تطوره. هذا تقاعس فاضح لموظفي الدولة. للأسف هذه هي الحقيقة، وقد حاولت على مدى سنوات معرفة حقيقة راتبي، لكن دون أمل. إن صندوق التعويضات يقبض المال من صاحب المدرسة ومن المعلم، ولا يتأكد إن كان ذاك المعلم ينال حقوقه كاملة. حتى إن قمنا بأي تصرف تجاه الإدارة، فسيُصار إلى عدم إعطائنا ورقة نهاية الخدمة، وقد نُحرم من تعويض نهاية الخدمة.
- سأكون محامية الشيطان، وأسأل إن كان المدير يعتبر أن تسجيل أولادك في مدرسته دون بدل مالي، تعويض عن تقصيره؟
• هناك قانون يُلزم المدرسة بتعليم أولاد المعلم دون بدل مالي، ونحن ندفع نصف القسط، "وبالعربي، اللي عم باخدو منو، عم بدفعو بالإيد الثانية".
- ماذا يطالب بعد أستاذ المدرسة الحكومية؟
• يطالب بزيادة راتبه، إذ يُعتبر الأقل على صعيد الوظائف الحكومية. يجب رفع الحد الأدنى لراتب المعلم. إبني موظف دولة، وراتبه من الشهر الأول بحجم راتبي، فكيف يستطيع المعلم أن يعيش بالقليل نسبة إلى الغلاء الذي يعيشه على كل الأصعدة؟
- إذاً زيادة الحد الأدنى للراتب محق في المدارس الحكومية والخاصة على السواء؟
• نعم، كذلك يجب أن يعطونا مثلما ما يأتي من زيادة لأساتذة المدارس الحكومية. ولكن مدير مدرستنا وهو مالكها أيضاً، لا يريد إعطائنا حقوقنا، إذا لا قانون يجبره على ذلك، "هوي حر"، ليش في عنا دولة؟ بس يصير عنا دولة بيصير عنا قانون يجبرو على التنفيذ".
- في عهد الوزير الياس بو صعب كان محقاً لناحية الطالب والأستاذ، لِمَ لمْ يقم بأي حركة تجاه الأمر خلال ولايته الوزارية؟
• "يمكن ما حدا خبَّروا عن الموضوع، أو ما كان معتبرنا من ضمن المدارس".
- إذا ما هو الحل الجذري والسريع؟
• الحل أن تتم المراقبة من قِبَل الدولة لهذه المدارس العلمانية الخاصة، غير الملتزمة بالقوانين، ووضع قانون لتطبيق قانون حماية حقوق المعلم، لإجبار أصحاب المدارس الخاصة على إعطاء كل ذي حق حقه.
- أليس من المفترض أن يكون هناك مفتشون يزورون تلك المدارس للمراقبة؟
• "وين في عنا مفتشين؟ بيكونوا عم يقبضوا رشاوي ويفلوا" أين المفتش الذي يأتي من صندوق التعويضات للكشف على رواتب المعلمين ويقوم بلقاءات معهم؟ نحن لا نراهم نهائياً. يجب حث هؤلاء المفتشين للنزول على أرض الواقع، وعدم التراخي أمام حقوق غيرهم. "يمكن موت أنا قبل ما آخد تعويضي، أنا هلق بدي إستفيد من مالي، أنا هلق بدي عيش وآكل وأعمل اللي بدي ياه، مش بعد ما موت". لما إسحب تعويضي بعد ما يصير عمري 65 سنة رح اقعد بالبيت.
- هذا يؤثر نفسياً على المعلم..
• أكيد، عندما يرى المعلم أن رب عمله يسرق ماله ويتنعم هو به، وأن موظفي دولته الذين من واجبهم حماية حقوقه يساندون السارق، ولا يستطيع عمل شيء، سيستمر تعبه النفسي طوال عمره. ولن يحس يوماً بأنه يُعطي من قلبه سوى أنه واجب وظيفي. "ما بيكفي إنو بهالمدارس معظم الولاد بلا ترباية، حتى أهلن صاروا متلن"؟ وعلى المعلم أن يتحمل التلميذ والأهل والإدارة ومشاكل الوظيفة والوضع الإقتصادي والصحي والأمني والراتب القليل والتعليم الخاص بعد الدوام للحصول على القليل من المال، بعد أن كان في الماضي يتحمل فقط التلميذ والإدارة. "كيف بدي لحق وأجار البيت 400 دولار" إلى جانب فاتورة الكهرباء، والمولد الكهربائي، وشركة المياه، والمياه المعبأة للشرب، وشراء خزانات المياه بسبب انقطاع مياه الدولة، وفواتير الهاتف الأرضي والخلوي والإنترنت، كل هذا وغيره من أعباء الحياة في لبنان بسبب عدم تأمين حاجيات الفرد رغم دفعنا الضرائب المتوجبة علينا، ولم نتكلم بعد عن دفع فروقات الطبابة للضمان الصحي، ولا عن الأكل وغلائه وفساده قبل كل شيء، ولا عن الكسوة. كيف تتوقعين أن نعيش في بلد كهذا، و برواتب قليلة؟
- طيب، أين التلميذ مما يحصل، وهو في كل عام يتعرض للتهديد بحرمانه من الإمتحانات، أو التأجيل، أو عدم التصحيح إلى أن تشاء نقابة المعلمين؟
• صدر مؤخراً قرار بهذا الصدد من الوزارة بعدم حرمان التلميذ من الإمتحانات، وإن لم يكمل دفع قِسط التعليم. والنتيجة من كل ذلك، حرمان المعلم فقط من أقل حقوقه. وما أشاهده على مدى سنوات طوال أن عدداً كبيراً من التلاميذ يفضلون نيل الإفادات بدل خوض الإمتحانات الرسمية، إذ أنها أضمن. الكل سينجحون ولن يتعرضوا للضغط النفسي وهم يتساءلون على الدوام: هل سننجح أو نرسب. بل ويطلبون من الله أن لا تقر الدولة سلسلة الرتب والرواتب، لكي ينالوا إفاداتهم. بالنهاية الشهادة الرسمية للفلسفة أي نهاية المرحلة المدرسية، لم يعد لها قيمة، لذا من المفروض أن تُلغى. كثر هم تلامذة المدارس الذين يوقفون تعليمهم بسبب رسوبهم في الإمتحانات الرسمية، رغم نجاحهم في مدارسهم. حرام أن يستمر هذا. ففي أيامنا الحصول على شهادة جامعية لم يعد كافياً، إن لم تكن مرفقة بالماسترز أو الدكتوراه. ربما في أيامي كان لها قيمة، وكنا ننال وظيفة لشهادة الفلسفة. لكن في الوقت الحالي لا قيمة لها.
- لم تنفع الاعتصامات حتى الآن بتحصيل حقوقكم.
• "النزلة عالطريق ما بتنفع، كل واحد عندو هدف سياسي بيقول انزلوا عالطريق". يجب التوقف عن ذلك ومواجهة الدولة بالواقع الأليم الذي يعيشه المعلم في المدارس العلمانية، وإعطاء الحلول لهم، ربما المعنيين في تلك الوزارات لا يعرفون الحل، أو المشكلة حتى. نحن لدينا قانون يُقِر بإعطاء المعلم حقوقه التي تفرضها الدولة، لكن لا آلية تطبيق على الأرض تلزم المدارس العلمانية الخاصة، هكذا يكون المدير حر، دونما رادع لسرقته تعب الناس وعرقهم سنوات طويلة، "تا يعمِّر قصور، ويشتري إلو ولولادو أحلى سيارات، ويعلمن بأغلى مدارس وجامعات، وباقي خلق الله آخر همو" هذه هي اللصوصية من قبل أصحاب بعض المدارس الخاصة، بالإتفاق مع بعض موظفي الدولة الذين يساعدونه على سرقتنا بغية إرضائهم.
سهير قرحاني

Comments are closed.