الحرارة نحو الـ40 في البقاع؛ شباب الـ أم تي ڤي عالبحر وتحت المكيفات، أما أنتم فحذار الشمس والأماكن المغلقة

يا شعب لبنان المُحتار.. يا أبناء الموت.. مش شايفتكن شاشة الـMTV
الأرصاد الجوية الكاذبة والصادقة كلها، تحذر اللبنانيين من مواجهة الشمس دون وقاية، وتحذر من رمي الزجاج في الأحراش والغابات، ومن رمي كل ما يشعل النيران، كما يحذرون من ترك المرضى والأطفال في غرف مغلقة خوفاً من الموت بسبب قلة الأوكسيجين، وغيرها من التحذيرات والتهويلات، وكلها نحن بحاجة لها بسبب قلة خبرتنا بالعيش في حرارة مماثلة.
الحرارة سترتفع غداً ولن تخف حتى الأربعاء، وأعلاها سيكون في البقاع والشمال اللبناني، كذلك على الساحل.
المشكلة أنني الآن "وبالغلط" وضعت محطة الـMTV خلال بحثي عن برنامج أستفيد منه، والمفاجأة حَصَلَت، عندما كذّبت المحطة الجميلة كل هؤلاء الذين يحذرون من الحرارة الشديدة، وجاء الشاب بـِ ريبورتاج مباشر على البحر يقول للناس فيه: "إنو الطقس حلو" وأن الناس على الشواطئ سعداء بالشمس والـ"برونزاج" وأنهم في العجقات لا يتضايقون من الحرارة المرتفعة، إذ المكيف في السيارة يقوم بعملية التبريد.
أما أنتم يا شعب لبنان المُحتار، والفقير، والعاجز، والمريض، والكافر بساسة لبنان لكل ما يفعلونه به، فا "مش شايفتكن شاشتكن المحبوبة"، إذ أنتم خارج إطار صورتها الجميلة.
أنتم يا أطفال لبنان الذين تنامون مع الموت على وسادة واحدة، تحت غطاء السقف والجدران الملتهبة بعيداً عن مكيفاتهم، "عادي جداً". بالنسبة لهم أنتم غير مرئيين أو مسموعين. فأنتم أبناء الموت والمرض. "ما خصَّا شاشتكن المحبوبة" إن لم يكن باستطاعة عائلاتكم شراء أدوية الحساسية والربو والقلب والجلد وكل ما يُميتُكم ألماً ليلاً ونهاراً.
أنتم يا عجزة لبنان الذين أزوركم قليلاً وأحزن عليكم كثيراً، إذ ما بيدي حيلة مع ضعف يد العطاء في لبنان منذ نحو خمس سنوات وأكثر، "ما بقا حدا شايف إنكن صرتوا عاجزين إنو تتحمموا". "شاشتكن المحبوبة مش فاضية تشوف مين قادر يبعت خادمتو تساعدكن تنضفوا حالكن" فأمركم بِيَدِ دولة عليها وضعكم في دور العجزة لكنها لا تقوم بأقل وأضعف واجباتها، فكيف واجباتها تجاه الكبار؟
أنتم وأنتم "وتعبت من الحكي".. رجاءً يا مُعِدِّي البرامج عبر الشاشة الجميلة، أنتم قد يكون القصد مما تقولونه زيادة السياحة الخارجية في لبنان، لكن ليس بهذه الطريقة. أعلم أنكم تضحكون على العقول الصغيرة، لكن تذكروا، ليس كل لبناني مثلكم لديه ضمان صحي، ومنزل مُبرَّد وسيارة "بتحس إنك قاعد فيها بالنعيم"، وقادر على شراء زيت البحر "وطاقية وشال يربطوه على القطعة الصغيرة" التي تغطون فيها عضوكم الذكري أو الأنثوي. إنهم فقراء حتى العظم المصاب. إنهم مرضى حتى قلب القلب وقلب العقل آملة أن تفهموا العربية. إنهم جوعى من الفم حتى المعدة حتى المخرج باللغة التي تريدونها. إنهم حزانى، يبكون، يئنون، يصرخون. إنهم موجودون ويُحِسُّون بالحر يُلهِبُ أجسادهم المريضة الجائعة. إنهم كُثر وفي كل القرى اللبنانية والمدن القديمة على امتداد الساحل اللبناني والبقاع والشمال والجنوب.
رجاءً "خلص". "مش مطلوب تنفوا خبر الحرارة العالية"، كان المطلوب فقط أن تقولوا أن الحرارة لم تمنع الناس من التوجه إلى المسابح والمنتجعات البحرية والإستمتاع بالسباحة والبرونزاج، وهذا وحده كفيل بتشجيع السياح.
عذراً من شباب الشاشة الجميلة، فأنا أخاف على نفسي أيضاً وليس على الفقراء في بلدي فقط
سهير قرحاني

Comments are closed.